وسبأ ، والأنعام ، ويونس ، والأنبياء ، والفرقان ، والشعراء. وجاء تقديم الضرر على النفع فى سورة يونس : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللهُ) (١). وعلى هذا الترتيب الأخير سارت معظم آيات القرآن إلّا فى المواضع الثمانية التى ذكرناها ، وإنما تقدم الضر على النفع لأنه أصل الفطرة التى نزل بها القرآن ، لأن العابدين يعبدون الله خوفا من عقابه أولا ، وطمعا فى ثوابه ثانيا ، وعلى هذا دلت الدلائل فى فطرة البدائيين وفى وجدان الموحدين ، وقد سجل الله تعالى هذه الفطرة البشرية فى قوله تعالى : (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) (٢). أما قوله تعالى : (يَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً) (٣) ، فقد جاء معبرا عن نوع راق ومتطور من الفطرة ألف العبادة حتى تحولت إلى معرفة وحب لله ورسوله.
فلما اختلفت هذه المواضع الثمانية من القرآن مع الأصل ، فتقدم فيها النفع على الضر إذن؟
اختلفت هذه المواضع الثمانية فتقدم النفع على الضر ، لأن السوابق من الآيات تدعو إلى هذا التركيب ، حرصا على النظام القرآنى البديع المعجز من حيث لا يمكن بأى حال أن يستمر الناس فى كتاباتهم على مراعاة هذا النظام ، بل تعمهم الغفلة غالبا. ففي سورة الأنعام جاءت الآية بعد قوله تعالى : (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها) (٤). فالولاية والشفاعة تناسب النفع ، وعدم أخذ العدل يناسب الضر ، فجاءت الآية على هذا النسق : (قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا) (٥) ، وفى يونس : (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا) (٦) ، فناسب تقديم النفع رعاية للنجاة ، وهى نفع. وفى الأنبياء جادل الكفار إبراهيم فى أصنامهم فقالوا :
__________________
(١) سورة يونس : ٤٩.
(٢) سورة السجدة : ١٦.
(٣) سورة الأنبياء : ٩٠.
(٤) سورة الأنعام : ٧٠.
(٥) سورة الأنعام : ٧١.
(٦) سورة يونس : ١٠٣.