(لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) (١). حرصا على بقائهم لمنفعتهم فى زعمهم. فقال تعالى : (أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ) (٢). وقال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) (٣) ، واستمرت الآيات فى سياق يعدد نعم الله الجليلة فى عشر آيات ، ثم قال : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ) (٤).
وفى سورة (المؤمنون) قال تعالى : (لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (٥). وفى الزخرف (فاكِهَةٌ) على التوحيد ، و (مِنْها تَأْكُلُونَ) بدون واو.
والسبب أن القرآن لما راعى لفظ الجنة ، ولما كان الحديث فى (المؤمنون) عن الجنات بالجمع كانت الفواكه جمعا ، ولما كان الحديث فى الزخرف عن الجنة مفردة كانت الفاكهة مفردة ، ثم يعود البحث إلى كشف جديد عن وجه بديع من وجوه الخلاف فى حذف الواو من آية الزخرف ، وإثباتها فى آية (المؤمنون) ، لأنها تتحدث عن جنات الأرض فى الدنيا ، وكان حق الكلام أن يقال : منها تبيعون ، ومنها تدخرون ، ومنها تأكلون ، فاقتضى الإيجاز المعجز أن يبقى ما به أساس الحياة مسبوقا بواو تدل على بقية المنافع المقصودة من حدائق الأرض دون إخلال بالمعنى. أما فى الزخرف فالحديث عن جنة الخلد ، وليست للأكل فحسب ، فحذف الواو للدلالة على ذلك.
ولا حاجة بنا إلى التعليق على هذه الأمثلة القليلة التى انتقيناها من كتاب الكرمانى (أسرار التكرار فى القرآن) لندل على أن هذا التكرار بمعانيه باب واسع من أبواب إعجاز القرآن ، لا يرومه ولا يقاربه بشر على الإطلاق.
وأنت يا أخى حيثما طوفت فى هذا الكتاب الذى نقدمه فى طبعته
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٦٥.
(٢) سورة الأنبياء : ٦٦.
(٣) سورة الفرقان : ٤٥.
(٤) سورة الفرقان : ٥٥.
(٥) سورة : المؤمنون : الآية ١٩.