الثانية فإن دلائل الإعجاز من هذه الوجهة التى بحثها الكرمانى فى كتاب مستقل تواجهك دلالة بعد دلالة ، بحيث لا تمل أن تستكشفها من وراء التراكيب الموزونة بأدق الموازين ، والتى عبر عنها الكتاب الكريم بالحق وهذا التعبير بالحق يعنى أن هذا التحدى الموجه لأفصح أمة نطقت بلغة القرآن إنما يهدف إلى تقرير الحق.
وإنك لا تنتهى من فقرة من فقرات هذا الكتاب إلّا وقد تفاعلت مع كل مشاعرك ومداركك ، حتى تنتهى بك إلى نوع من الإذعان والرضا يمس أعماق القلب بلون هادئ وقوى من الأمن والطمأنينة إلى الحق الذى نزل به القرآن. ولا تبدأ فى فقرة أخرى إلّا بدأت استكشاف مزيد من دقائق الأسلوب القرآنى يزيد به الأمن إلى جناب الله ، والإيمان بالحق ، وهكذا يزداد بك الإيمان قوة إلى أن تستقر فى أعماقك العزة والبذل والفداء فى سبيل دعوة القرآن إيمانا بالقرآن ورسول القرآن : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) (١).
وهذا المعنى هو الذى أشار إليه الزملكانى حين قال فى كتابه (نهاية التأمل فى أسرار التنزيل) : «إن الإعجاز راجع إلى التأليف الخاص بالقرآن ، لا مطلق التأليف ، حيث اعتدلت مفرداته تركيبا وزنة ، وعلت مركباته معنى ، بأن وقع كل فن فى مرتبته العليا فى اللفظ والمعنى». ويؤكد المراكشى هذا المعنى بقوله : «الدليل التفصيلى على إعجاز القرآن مقدمته التفكر فى خواص تركيبه ، ونتيجته العلم بأنه تنزيل من المحيط بكل شىء علما».
سادسا : القرآن وتيرة واحدة : يقول الله سبحانه : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٢). وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالى مشيرا إلى إعجاز القرآن من هذه الوجهة : «المراد : نفى
__________________
(١) سورة الأنفال : ٢.
(٢) سورة النساء : ٨٢.