الاختلاف عن ذات القرآن. يقال : هذا كلام مختلف ، أى لا يشبه أوله آخره فى الفصاحة ، أو هو مختلف الدعوى ، أى بعضه يدعو إلى الدين وبعضه يدعو إلى الدنيا ، أو هو مختلف النظم ، فبعضه على وزن الشعر ، وبعضه منزحف ، وبعضه على أسلوب مخصوص فى الجزالة ، وبعضه على أسلوب يخالفه ، وكلام الله منزه عن هذه الاختلافات فإنه على منهاج واحد فى النظم مناسب أوله آخره ، وعلى درجة واحدة فى الفصاحة ، فليس يشتمل على الغث والسمين ، ومسوق لمعنى واحد ، وهو دعوة الخلق إلى الله ، وصرفهم عن الدنيا إلى الدين.
وكلام الناس تتطرق إليه هذه الاختلافات ، إذ كلام المترسّلين والشعراء إذا قيس عليه وجد فيه اختلاف فى منهاج النظم ، ثم اختلاف فى درجات الفصاحة ، بل فى أصل الفصاحة ، فلا تتساوى رسالتان ولا قصيدتان ، بل تشتمل قصيدة على أبيات فصيحة ، وأبيات سخيفة ، وكذلك تشتمل القصائد والأشعار على أغراض مختلفة ، لأن الشعراء والفصحاء فى كل واد يهيمون ، فتارة يمدحون الدنيا ، وتارة يذمونها ، وتارة يمدحون الجبن ويسمونه حزما ، وتارة يذمونه ويسمونه تهورا ، ولا ينفك آدمى عن هذه الاختلافات ، لأن منشأها اختلاف الأغراض ، والأحوال ، والإنسان.
وكذلك تختلف أغراضه ، فيميل إلى الشيء ، تارة ، ويميل عنه أخرى ، فيوجب ذلك اختلافا فى كلامه بالضرورة ، فلا يصادف إنسان يتكلم فى ثلاث وعشرين سنة وهى مدة نزول القرآن ، فيتكلم على غرض واحد. ومنهاج واحد ، ولقد كان النبى صلىاللهعليهوسلم بشرا تختلف أحواله ، فلو كان هذا كلامه ، أو كلام غيره من البشر ، لوجدوا فيه اختلافا كثيرا».
وهذا المعنى فطن إليه صاحب (منهاج البلغاء) حين قال : «وجه الإعجاز : استمرار الفصاحة والبلاغة فيه من جميع أنحائها فى جميعه ،