من هنا يصلح العرب أن يكونوا حجة على العالم ، بعد ما قامت حجة القرآن عليهم بأنه صالح لبناء أمة لها خصائص الأمم الراقية إذا قيس الرقى بموازين العلم والعقل ، لا بمقاييس الشطط والهوى. وكانت صورة الإنسان المسلم الذى بناه الرسول صلىاللهعليهوسلم بالقرآن حجة على صلاحية القرآن للدعوة العالمية.
لم يكن الأسلوب العربى إذن مهما بلغ من الإعجاز حجة على الروم والفرس والقبط ، لأن هؤلاء لا يدركون من ذوق العربية لا قليلا ولا كثيرا ، وإنما كانت فاعلية القرآن ، وأعاجيب الفدائية التى كانت ماثلة أمام تلك الشعوب من جهة ، وتسامى السلوك ، وارتفاع الإنسانية إلى مستواها الحق الذى تهفو إليه الدنيا كلها هى الحجة الماثلة أمام الشعوب غير العربية ، مما جعلها بعد أن اطمأنت إلى العدل الذى حمله العرب إلى غيرهم تتحرق شوقا إلى بحث هذا الكتاب الذى هدى العرب ، وبنى منهم تلك الأعجوبة الماثلة أمامهم.
ومن هنا أيضا كان غزو اللغة العربية للغات الأخرى ، لأن هذا التطلع الملح الذى يتحرك فى أعماق غير العرب إلى استكشاف أسرار القرآن ومفاهيمه دفعهم إلى تعلم العربية ، وكان ذلك بالفعل ، حتى كان الغزو اللغوى العربى فى صف واحد مع الغزو العسكرى فى سبيل تأصيل العقيدة الخاتمة.
وكان أن تحول الجم الغفير من تلك الشعوب غير العربية إلى علماء فى العربية ، وإلى أصوليين ومفسرين ومحدثين ودعاة لا يقلون شأنا عن الدعاة العرب فى نطاق دعوة الإسلام ، وما زالت الآلاف من تلك الأسماء غير العربية تدوى فى آفاق الأرض شاهدة على إعجاز القرآن من نواح غير النواحى الأسلوبية والبلاغية.
ويكفى لإدراك معجزة القرآن العملية بعد الأسلوبية أن تعلم أن الأزهر قد أنشئ فى مصر للقضاء على شريعة القرآن على أيدى الأدعياء