ولفظا يدل على معنيين ، ولفظا يدل على أكثر ، فأجروا الأول على حكمه ، وأوضحوا معنى الخفى ، وخاضوا فى ترجيح أحد محتملات ذى المعنيين والمعانى ، وأعمل كل منهم فكره.
واعتنى الأصوليون بما فيه من الأدلة العقلية والشواهد الأصلية والنظرية ، فاستنبطوا منه أدلة على وحدانية الله ووجوده ، وسموا هذا العلم : أصول الدين. وتأملت طائفة معانى خطابه ، فرأت منها ما يقتضى العموم ، ومنها ما يقتضى الخصوص ، إلى غير ذلك ، فاستنبطوا أحكام اللغة من الحقيقة والمجاز ، وتكلموا فى التخصيص والإخبار ، والنص والاجتهاد ، والظاهر ، والمجمل والمحكم ، والمتشابه ، والأمر والنهى .. وسموا هذا الفن : أصول الفقه».
ثم عدد ابن أبى الفضل علوم الدين والأدب والأمثال والحكم والوعظ والمعاد ، وأصول تعبير الرؤيا ، والظواهر الكونية ، وعلوم الحقائق ، والطب ، والجدل ، والهيئة ، والهندسة ، والجبر ، والمقابلة ، وأصول الصناعات ، ونبه إلى مكانها من القرآن.
بل إن السيوطى نقل : أن سكوت القرآن عن حقيقة من الحقائق يمكن استنباط الحقيقة منه. ومثل له باستدلال جماعة على أن القرآن غير مخلوق بأن الله تعالى ذكر الإنسان فى القرآن فى ثمانية عشر موضعا وقال : إنه مخلوق. وذكر القرآن فى أربعة وخمسين موضعا ، ولم يقل : إنه مخلوق. فلما جمع بينهما غاير فقال : (الرَّحْمنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ) (١).
ونقول : إن فى قوله تعالى : (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) دليلا على أنه غير مخلوق لأنه أرجعه إلى ذاته يعلم به عباده ، لا إلى خلقه الذى وضعه بين عباده يتصرفون فيه حيث شاءوا.
ولقد جمع الإمام بن أسد المحاسبى من هدى القرآن ما يمكن أن
__________________
(١) سورة الرحمن : ١ ـ ٣.