بدون مبرر قوى ، وبراهين واضحة. وهو ليس كتاب تشريع وأخلاق فحسب ، فالتشريع والأخلاق لا بدّ لهما من فلسفة قوية يقومان عليها ، والمشرع الأخلاقى يجب أن يكون فيلسوفا ، فلا يمكن أن يحث القرآن على الزهد إن لم يتحدث عن قيمة الحياة الآخرة ، والخلود ، والبعث ، وهذه مسائل فلسفية ، كما أن القرآن لا يمكن أن يبشر بالتوحيد إن لم يطرق البحث فى الخالق وصفاته وهذه مسائل فلسفية. فالقرآن تعرض لكل بحوث الفلسفة ، فتكلم فى الله وصفاته ، وعرض للروح ، وبحث فى الخلود والبعث ، وصور للإنسان مثلا أعلى يجب أن ينشده ، واختط له طريقا يجب أن يسلكه».
ويقول دريبر : «إننا لندهش حين نرى فى مؤلفات المسلمين من الآراء العالمية ما كنا نظنه من نتائج العلم الحديث فى هذا العصر ، ومن هذا : إن مذهب النشوء والارتقاء للكائنات العضوية الذى يعتبر مذهبا حديثا كان يدرّس فى مدارسهم ، ولقد أحس المسلمون إحساسا صادقا بتطور الحياة ، حتى إن الفقه الإسلامى ذاته تطبيق عملى لفكرة التطور البشرى وذلك أن مهمته الدائمة هى البحث عن حلول جديدة للمشكلات المتطورة المستجدة ، مستمدة من أصول الدين وروحه .. ولو كان رجال الدين فى أوربا على هذا الفهم الناجح فى القرنيين الثامن عشر والتاسع عشر لما صدمتهم بحوث العالم الجديدة ، ولما قامت النفرة بينهم وبين العلم ، تلك النفرة التى أودت بأوربا كلها ، وتكاد تؤدى بالإنسانية كلها نحو الهاوية».
وأخيرا نسوق قول الأستاذ العقاد يؤيد الإعجاز الروحى والمعنوى للقرآن فى صورة ما يسمى الآن بالديمقراطية مذهبا سياسيا قرره الإسلام فى صورته المثلى. يقول : «معجزة أن تنبت الديمقراطية الإسلامية فى تربة الصحراء لا فى تربة الحضارة ، ولكنها معجزة إلهية مثلها فى الظهور بين الجاهلين كمثل الإيمان بالإله الواحد الأحد الذى لا يحابى قوما