ومكانه وجنسه لا غيره ، وكانت العنصرية المتشددة التى عامل اليهود بها شريعة موسى ، واعتقادهم فى أنفسهم أنهم الشعب المختار ، والسور الشامخ الذى أحاطوا به أنفسهم بحيث لا يعترفون بمؤمن من غير عنصرهم دليلا على صحة هذه النظرة.
وكانت معجزة المسيح من جنس الطب الذى يعنى بصحة الأجسام وحدها ، ولم يرثه فيها وارث من بعده ، لا من حوارييه ولا من بنى إسرائيل فى أى مكان ، بل إنها توارت مع رفع المسيح ، وبطلت فاعليتها ، واستمسك بنو إسرائيل بعالم الوهم فأسبغوا على أحبارهم ورهبانهم خصائص الله تعالى محاولين أن يتشبثوا بأذيال البقاء تحت لواء شريعة منسوخة ، ومن هنا فقدوا سمة الصيانة لوحى الله عن أهواء النفس ، وشطط العقل ، فلم تعد شريعتهم صالحة لقيادة العالم ولا لإصلاح الخلل المتمكّن فى قلوبهم.
ثالثا : اتجه القرآن الكريم إلى بناء شخصية جديدة لإنسان حضارة الإسلام تتميز بالعمل والفدائية والقوامة على الأجيال.
لم يكن القرآن معجزة تهيئ لأتباع محمد صلىاللهعليهوسلم أن يعملوا فى الدنيا على مقتضى الخوارق دون عمل إيجابى من جانبهم كما صنع الله لنبيه موسى حين شق البحر له ولقومه ، وأغرق لهم عدوهم ـ فرعون وملأه ـ بل كان القرآن يعمل على بعث القوة المعنوية فى داخل الإنسان المسلم ، ويزود المجتمع بالتشريعات التى تجعل منه قوة لا يقهرها غالب من بنى الإنسان إن هو أحكم سلوكه على هداه. وأعلن الله تعالى أنه لو شاء لانتصر للمسلمين من عدوهم : (وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) (١). أى : أن الإسلام والقرآن جاءا ليؤكدا القيمة
__________________
(١) سورة محمد : ٤.