انشق البحر لموسى فقد عبر القرآن المحيطات ، واجتاز الوعر والسهل.
تلك عظمة القرآن ، وتلك مكانته العالمية التابعة لمكانته عند الله ، ومن ثم تكون مكانة العالمين على خدمته ، الدائبين على الكشف عن أسراره ودلائل إعجازه ، وكنوز عظمته ، فمن هذا الكشف يكون استمساك اتباع القرآن به ، ويكون إصرارهم على العمل بمقتضاه ، ويكون لهم من قوة الإيمان ما يؤهلهم للمهمة التى كلفهم الله تعالى به : أن يكونوا خير أمة أخرجت للناس ، وأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر على المستوى المحلى والعالمى على السواء.
فالقرآن هو الذى بقى من الكتب السماوية منضبطا فى صورته ، واضحا فى معالمه ، غالبا كل الغلبة على محاولات التزييف فى الشكل أو المعنى رغم الجهود المضنية التى بذلت فى هذا السبيل ، أثيرا عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه الذين أخذوه مأخذ الحفظ والعلم والعمل ، فأحاطوه بقلوبهم وجدانا ، وبعقولهم فهما ودرسا ، وأقاموا على صراطه أنفسهم ، ودعوا الناس جميعا إلى الله وإلى سبيل الله على بصيرة وعلم وهدى.
ولقد أراد الله تعالى أن يبقى القرآن وثيقا كل الوثاقة فى نصوصه ، وسلوك الصحابة على صراطه ، لأنه منهاج دعوة ودستور حياة للفرد والدولة جميعا. فهو منهاج دعوة من حيث نزوله على مدى عشرين عاما من الزمان على مقتضى الظروف والأحوال التى يقتضيها بناء أمة قرآنية مجاهدة مظفرة ، ترتفع من حضيض الشرك والفوضى والإثم إلى قمة الإيمان والنظام وطهارة القلب واليد والجسد ، ولم يكن بناء هذه الأمة على هذه الصورة إلّا ثمرة للقدوة السلوكية والدعوة مجتمعين.