فإنه إذا مات فينزع عنه لطيف نفس الروح النوري من لطيف نفس الطبع الكثيف الذي به يعقل الأشياء ويرى الرؤيا في الملكوت ، وإذا نام نزع عنه لطيف نفس الطبع الكثيف لا لطيف نفس الروح النوري ، فيستفيق النائم نفسا لطيفا ، وهو من لطيف نفس الروح الذي إذا زايله لم تكن له حركة ، وكان ميتا. ولنفس طبع الكثيف لطيفة ، ولنفس الروح لطيفة ، فحياة لطيف نفس الطبع بنور لطيف نفس الروح ، وحياة روح لطيف نفس الروح بالذكر ، كما قال : (أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران : ١٦٩] أي يرزقون الذكر بما نالوا من لطيف نفس النوري ، وحياة الطبع الكثيف بالأكل والشرب والتمتع ، فمن لم يحسن الإصلاح بين هذين الضدين ، أعني نفس الطبع ونفس الروح حتى يكون عيشهما جميعا بالذكر والسعي بالذكر ، فليس بعارف في الحقيقة. وقال عمر بن واصل : وكان المبرد (١) النحوي يقول : الروح والنفس شيئان متصلان لا يقوم أحدهما بدون الآخر. قال : فذكرت ذلك لسهل ، فقال : أخطأ ، إن الروح يقوم بلطفه في ذاته بغير نفس الطبع الكثيف ، ألا ترى أن الله تعالى خاطب الكل من الذر بنفس روح وفهم عقل وفطنة قلب وعلم لطيف بلا حضور طبع كثيف.
قوله : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ) [٤٣] قال : أم اتخذوا طريق البدعة في الدين قربة في الدين إلى الله ، على أن ينفعهم ذلك.
قوله : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) [٤٥] جحدت قلوبهم مواهب الله عندها.
قوله : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) [٥٣] قال : أمهل الله تعالى عباده تفضلا منه إلى آخر نفس ، فقال لهم : «لا تقنطوا من رحمتي فلو رجعتم إلي في آخر نفس قبلتكم». قال : وهذه أبلغ آية في الإشفاق من الله تعالى إلى عباده ، لعلمه بأنه ما حرمهم ما تفضل به على غيرهم ، فرحمهم حتى أدخلهم في عين الكرم بالذكر القديم لهم. وقد حكي عن جبريل عليه الصلاة والسلام أنه سمع إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول : يا كريم العفو. فقال له جبريل عليهالسلام : يا إبراهيم ، أتدري ما كرم عفوه؟ قال : لا يا جبريل. قال : إذا عفا عن سيئة جعلها حسنة (٢). ثم قال سهل : اشهدوا على أني من ديني أن لا أتبرأ من فساق أمة محمد صلىاللهعليهوسلم وفجارهم وقاتلهم وزانيهم وسارقهم ، فإن الله تعالى لا يدرك غاية كرمه وفضله وإحسانه بأمة محمد صلىاللهعليهوسلم خاصة.
__________________
(١) المبرد : محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي (٢١٠ ـ ٢٨٦ ه) : إمام العربية ببغداد في زمانه ، وأحد أئمة الأدب والأخبار. (الأعلام ٧ / ١٤٤).
(٢) شعب الإيمان ٥ / ٣٨٩ (رقم ٧٠٤٣) ؛ وقوت القلوب ١ / ٣٣٤ ، ٣٧٦.