وكان يكفيني ذلك الدرهم سنة. ثم عزمت على أن أطوي ثلاث ليال ، ثم جعلتها خمسا ، ثم سبعا ، حتى بلغت خمسا وعشرين ليلة ، وكنت على ذلك عشرين سنة. ثم خرجت أسيح في الأرض سنين ، ثم عدت إلى تستر ، وكنت أقوم الليل كله) (١).
يتضح من هذا النص أن بدايات التستري الصوفية كانت على يد خاله الذي لا تفيدنا المصادر بشيء عنه ، سوى أنه لقّن التستري مبادئ التصوف ، ثم تلقى التصوف على يد شيخه حمزة العبادي في عبادان.
وتفيد مصادر أخرى أنه صحب ذا النون المصري الذي كان له دور ـ لا نعلم مداه ـ في رعاية بذرة التصوف لديه ، فقد ذكرت بعض المصادر أن التستري لقيه في الحج وصحبه (٢).
وثمت متصوف آخر هو إدريس بن أبي خولة الأنطاكي ، أفادت المصادر أن التستري حكى عنه ، ولم تضف إلى ذلك شيئا آخر (٣).
ولا ندري كم من الزمن أقام في تستر ، فإنه هجرها ورحل إلى البصرة وأقام فيها حتى وفاته (٤).
وعن سبب انتقاله إلى البصرة قال ابن الجوزي : (حكى رجل عن سهل أنه يقول : إن الملائكة والجن والشياطين يحضرونه ، وإنه يتكلم إليهم ، فأنكر ذلك عليه العوام ، حتى نسبوه إلى القبائح ، فخرج إلى البصرة ، فمات بها) (٥).
ويبدو أن ابن الجوزي كان يتحامل على التستري ، فقد أنكر عليه تفسير قوله تعالى : (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [النساء : ٦] فقد فسرها التستري على أنها القلب والنفس والجوارح (٦) ، (وابن الجوزي اكتفى بإنكار هذا التفسير ، دون أن يذكر مبررا لإنكاره) (٧).
__________________
(١) مرآة الجنان ٢ / ٢٤٩ (حوادث سنة ٢٨٣) ؛ وذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان ٢ / ٤٢٩ من هذا الخبر قصته مع خاله فقط ؛ وانظر : التصوف في الإسلام ٦٦ ـ ٦٧ ؛ وحركة التصوف الإسلامي ص ١١٠.
(٢) البداية والنهاية ١١ / ١٧٤ ؛ وسير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٣٠ ؛ ووفيات الأعيان ٢ / ٤٢٩ ؛ ومعجم البلدان ٢ / ٣١ (تستر).
(٣) بغية الطلب ٣ / ١١٣٤.
(٤) معجم البلدان ٢ / ٣١ (تستر) ؛ ووفيات الأعيان ٢ / ٤٢٩.
(٥) تلبيس إبليس ص ٢٠٧.
(٦) تفسير التستري ص ٤٥.
(٧) من التراث الصوفي ص ١٠٢.