وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) [٣٣] قال : يعني الحسد بقلبه والفعل بجوارحه ، ولو أن يترك التدبير فيهما كان من أوتاد الأرض ، ولكن العبد بين حالين ، إما أن يدبر بقلبه ما لا يعنيه ، أو يعمل بجوارحه ما لا يعنيه ، ليس ينجو من أحدهما إلّا بعصمة الله تعالى ، فعيش القلوب اليقين وظلمتها التدبير. قال : وكنا مع سهل عند غروب الشمس فقال لأحمد بن سالم (١) : اترك الحيل حتى نصلي العشاء بمكة.
وقوله تعالى : (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) [٣٣] قال : من تكلم عن الله من غير إذن ، وعلى سبيل الحرمة وحفظ الأدب ، فقد هتك الستر ، وقد منع الله تعالى أن يقول عليه أحد ما لم يعلم. وقوله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) [٤٣] قال : هو الأهواء والبدع.
وقوله تعالى : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ) [٤٦] قال : أصحاب الأعراف هم أهل المعرفة. قال الله تعالى : (يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ) [٤٨] إقامتهم لشرفهم في الدارين وأهلهما ، يعرفهم الملكان كما أشرفهم على أسرار العباد في الدنيا وأحوالهم. وقوله تعالى : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) [٥٦ ، ٨٥] قال : أن لا تفسدوا الطاعة بالمعصية ، وذلك أن من كان مقيما على المعصية على أدنى منهيّ فجميع حسناته ممزوجة بتلك المعصية ، ولا تخلص له حسناته البتة وهو مقيم على سيئة واحدة حتى يتوب وينخلع عن ذلك المنهي ، ويصفيها عن كدورات المعاصي في السر والعلانية.
وقوله تعالى : (وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ) [٦٨] ومن لم ينصح الله في نفسه ولم ينصحه في خلقه هلك ، ونصيحة الخلق أشد من النفس ، وأدنى نصيحة النفس الشكر ، وهو أن لا يعصى الله تعالى بنعمه. وسمعته مرة أخرى يقول : النصيحة أن لا تدخل في شيء لا تملك صلاحه.
وقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) [٩٤] قال : يعني فقد قلوبهم بالجهل عن العلم والشدة في دنياهم حتى اشتغلوا بها عن آخرتهم (ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا) [٩٥] أي كثروا ليس هو العفو بعينه ، قال تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ) [١٩٩] أي الفضل في أموالهم التي هي وديعة الله عندهم ، لأن الله تعالى قد ابتاعها منهم ، فليس له نفس ولا مال. قيل له : فأين نفسه؟ قال : دخلت تحت مبايعة الله تعالى. قال : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [التوبة : ١١١] وقوله تعالى : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ) [٩٩] قال : المكر المضاف إلى تدبيره في سابق علمه من قدرته
__________________
(١) أحمد بن سالم ، أبو الحسن : شيخ الصوفية في عصره ، كان من أصحاب سهل التستري. (سير أعلام النبلاء ١٦ / ٢٧٢).