فلا ينبغي لأحد أن يأمن مكره ، لأن أمن المكر لا يدفع القدر ، ولا يخرج أحدا عن قدرة الله تعالى ، ولا يخلو أحد من خوف وإن بلغ كل خوف ، وإذا عرف منزلته عند الله تعالى ازداد علمه وتكاملت رغبته ، فأما من لم يعرف منزلته فذلك عار عليه. قال عمر بن واصل : فقلت له : كيف يزداد مع علمه منزلة؟ فقال : هما رجلان ، فرجل ازداد وطلب الزيادة وحرص لذلك ، ورجل أضعف منه ، كان ذلك منه شكرا لئلا يسلب ما أعطاه.
وقوله تعالى : (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا) [١٢٨] قال : أمرهم أن يستعينوا بالله على أمر الله ، فيقهروا ما فيها ويستولوا عليها وعلى مخالفتها ، وأن يصبروا على ذلك تأدبا. قوله : (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) [١٤٦] قال : هو أن يحرمهم فهم القرآن (١) ، والاقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام. وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من أعطي فهم القرآن فقد أعطي الخير الكثير ، ومن فاته فهم القرآن فقد فاته علم عظيم». وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من تعظيم الله إكرام ذي الشيبة في الإسلام ، وإكرام الإمام العادل ، وإكرام حامل القرآن غير الغالي فيه» (٢).
قوله : (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) [١٤٦] قال : ردهم إلى سابق علمه فيهم أنهم سيفعلون ذلك لخذلانه إياهم بمادلتهم عليه أنفسهم الطبيعية من الحركة في النهي ، والسكون في الأمر ، وادعاء الحول والقوة على ما جبلت عليه أنفسهم ، والاغترار به.
قوله تعالى : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) [١٤٨] قال : عجل كل إنسان ما أقبل عليه ، فأعرض به عن الله من أهل وولد ، ولا يتخلص من ذلك إلّا بعد إفناء جميع حظوظه من أسبابه ، كما لم يتخلص عبدة العجل من عبادته إلّا بعد قتل النفوس.
قوله تعالى : (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) [١٤٩] قال : يعني ندموا ، يقال : سقط الرجل في يديه إذا ندم على أمر. قوله تعالى : (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) [١٥٦] أي تبنا إليك.
قوله تعالى : (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) [١٦٣] قال : يعدون في اتباع الهوى في السبت.
قوله تعالى : (وَدَرَسُوا ما فِيهِ) [١٦٩] أي تركوا العمل به.
وقوله : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ) [١٧١] قال : يعني فتقنا وقد زعزعنا. كما قال العجاج (٣) :
__________________
(١) هذا قول سفيان بن عيينة في الإتقان ٤ / ٢١٦.
(٢) كشف الخفاء ١ / ٢٨٤.
(٣) العجاج : عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر السعدي التميمي (... ـ نحو ٩٠ ه) : راجز مجيد ، من الشعراء. ولد في الجاهلية ، وقال الشعر فيها ، ثم أسلم. (الأعلام ٤ / ٨٦).