التي قبلكم ، فإذا أصبحتم فلا تحدثوا أنفسكم بالمساء ، وإذا أمسيتم فلا تحدثوا أنفسكم بالصباح ، لأن الأحداث قد كثرت ، والخطر عظيم ، فاتقوا الله ، وألزموا أنفسكم التوبة.
قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) [١٢٢] قال : ليتعلموا ما يحتاج إليه في أمر الدين. وقد حكي عن الحسن البصري أنه قال : الفقيه الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة ، البصير في أمر دينه. وسئل سهل عن معنى قوله صلىاللهعليهوسلم : «طلب العلم فريضة على كل مسلم» (١) ، فقال : يعني علم الحال (٢). قيل : وما علم الحال؟ قال : من الباطن الإخلاص ، ومن الظاهر الاقتداء ، فمن لم يكن ظاهره إمام باطنه ، وباطنه كمال ظاهره فهو في تعب من البدن. قيل : وما تفسير ذلك؟ قال : إن الله قائم عليك في سرك وعلانيتك وحركاتك وسكونك لا تغيب عنه طرفة عين ، كما قال : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [الرعد : ٣٣]. وقال : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) [المجادلة : ٧] الآية ، وقال : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦] وهو العرق الذي في جوف القلب ، فأخبر أنه أقرب إلى القلب من ذلك العرق. فإذا علمت ذلك ، ينبغي أن تستحي منه ، وما هاج في القلب شيء مما تهوى النفس. فذكر العبد قيام الله عزوجل عليه ، فتركه إلّا دخل قلبه من علم حاله ما لو قسم ما أعطى ذلك العبد على أهل المدينة لسعدوا جميعا وفازوا به ، وقد أشار إليه مالك بن أنس (٣) رضي الله عنهما حيث قال : ليس العلم بكثرة الرواية ، إنما العلم نور يجعله الله في القلب (٤). قيل له : كيف يعرف الرجل الحال والعلم به؟ فقال : إذا كنت تتكلم فحالك الكلام ، وإذا سكت فحالك السكوت ، وإذا قمت فحالك القيام ، وإذا قعدت فحالك القعود ، والعلم به أن تنظر أن هذا الحال لله أو لغيره ، فإن كانت لله استقررت عليها ، وإن كانت لغيره تركتها ، وهو المحاسبة التي أمر بها عمر رضي الله عنه حيث قال : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا (٥). وقد كان عمر رضي الله عنه يضرب نفسه بالدرة في المحاسبة.
__________________
(١) كشف الخفاء ١ / ٧١ ، ٢ / ٥٦ ، والمعجم الأوسط ٢ / ٢٨٩ ، ٦ / ٩٦ ، والمعجم الصغير ١ / ٣٦ ، ٥٨ ، وشرح سنن ابن ماجة ١ / ٢٠ ، وبعد الحديث قال : (قال النووي : إنه ضعيف ، وإن كان صحيحا).
(٢) قوت القلوب ١ / ٣٢٤.
(٣) مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري (٩٣ ـ ١٧٩ ه) : إمام دار الهجرة ، وأحد الأئمة الأربعة ، وإليه تنسب المالكية. من أشهر كتبه الموطأ. (الأعلام ٥ / ٢٥٧).
(٤) صفوة الصفوة ٢ / ١٧٩ ، وسير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٢٣ ؛ والشطر الأول من القول نسب إلى إبراهيم الخواص في شعب الإيمان ٢ / ٢٤٩ ، وبعده : (إنما العالم من اتبع العلم واستعمله) ، كما نسب الشطر الأول من القول إلى عبد الله في الحلية ١ / ١٣١ ، وبعده : (ولكن العلم الخشية).
(٥) سنن الترمذي ٤ / ٦٣٨ (رقم ٢٤٥٩) ؛ وكتاب الزهد لابن مبارك ص ١٠ ؛ وصفوة الصفوة ١ / ٢٨٦ ؛ ومصنف ابن أبي شيبة ٧ / ٩٦ ،
رقم ٣٤٤٥٩. وسيعاد قوله في تفسير الآية ١٤ من سورة الإسراء.