قوله تعالى : (وَفارَ التَّنُّورُ) [٤٠] قال : كان تنورا من حجارة ، وهو تنور آدم صار لنوح قد جعل الله فوران الماء منه علامة عذابه ، وجعل ينبوع عيون قلب محمد صلىاللهعليهوسلم بأنوار العلوم رحمة لأمته ، إذ أكرمه الله تعالى بهذه الكرامة ، فنور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من نوره ، ونور الملكوت من نوره ، ونور الدنيا والآخرة من نوره ، فمن أراد المحبة حقيقة فليتبعه ، قال الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) [آل عمران : ٣١] فجعل المحبة في اتباعه ، وجعل جزاء اتباعه محبته لعباده ، وهي أعلى الكرامة.
وقد حكي عن أبي موسى الأشعري (١) قال : بينما نحن عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ أقبل بنا حتى نصبنا وجهه كأنه يريد أن يخبرنا ، ثم سجد وسجدنا معه في أول النهار ، حتى كان نحو نصف من النهار ، حتى وجد بعضنا طعم التراب في أنفه ، حتى قال بعضنا لبعض : قد مات رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم رفع رأسه فقال : الله أكبر. فقلنا : الله أكبر. فقال له قائل : يا رسول الله ، لقد ظننا أنك مت ، ولو كان ذلك ما بالينا أن تقع السماء على الأرض. فقال : أتاني حبيبي جبريل صلوات الله عليه ، فقال لي : يا محمد ، إن ربك يقرئك السلام ، ويخيرك بين أن يدخل ثلث أمتك الجنة ، وبين الشفاعة ، فلما طمعت في الثلث اخترت الشفاعة ، فارتفع ونصبتكم وجهي أريد أن أخبركم ، فأتاني فقال : يا محمد ، إن ربك يقرئك السلام ، ويخيرك بين أن يدخل ثلثي أمتك الجنة ، وبين الشفاعة ، فلما طمعت في الثلثين اخترت الشفاعة ، فارتفع ونصبتكم وجهي أريد أن أخبركم ، ثم أتاني فقال لي : يا محمد ، إن ربك قد شفعك في الثلثين ، ولم يجبك في الثلث ، فسجدت شكرا لله تعالى فيما أعطاني (٢).
وقال سهل : انتهت همم العارفين إلى الحجب ، فوقفت مطرقة ، فأذن لها بالدخول ، فدخلت فسلمت ، فخلع عليها خلع التأييد ، وكتب لها من الرقع براءات ، وأن همم الأنبياء صلوات الله عليهم جالت حول العرش ، فألبست الأنوار ، ورفع منها الأقدار ، واتصلت بالجبار فأفنى حظوظها ، وأسقط مرادها ، وجعلها متصرفة به له. وقال : آخر درجات الصديقين أول
__________________
(١) أبو موسى الأشعري : عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار ، من بني الأشعر (٢١ ق ه ـ ٤٤ ه) :
صحابي ، من الشجعان الولاة الفاتحين. وأحد الحكيمين اللذين رضي بهما علي ومعاوية بعد حرب صفين. (الأعلام ٤ / ١١٤).
(٢) المستدرك على الصحيحين ١ / ٦٠ ، ١٣٧ (رقم ٣٦ ، ٢٢٤) ؛ ومسند أحمد ٤ / ٤٠٤ ، ٤١٥ ، ٦ / ٢٣ ، ٢٨ ، ٢٩.