ليس بها أحد؟ قال : هذه كتب أهل الكوفة إليّ ، ولا أراهم إلا قاتليّ ، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلا انتهكوها ، فيسلّط الله عليهم من يذلّهم حتى يكونوا أذلّ من فرم (١) الأمة ، يعني مقنّعتها.
قلت : ندب ابن زياد لقتال الحسين ، عمر بن سعد بن أبي وقّاص. فروى الزبير بن بكار ، عن محمد بن حسين قال : لما نزل عمر بن سعد بالحسين أيقن أنهم قاتلوه ، فقام في أصحابه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : قد نزل بنا ما ترون ، إنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت ، وأدبر معروفها ، واستمرت حتى لم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء ، وإلا خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون الحق لا يعمل به ، والباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله ، وإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما (٢).
وقال خالد الحذّاء ، عن الجريريّ ، عن عبد الله أو غيره ، إنّ الحسين لما أرهقه السلاح قال : ألا تقبلون منّي ما كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقبل من المشركين؟ قيل : وما كان يقبل منهم؟ قال : كان إذا جنح أحدهم للسلم قبل منه ، قالوا : لا ، قال : فدعوني أرجع ، قالوا : لا ، قال : فدعوني آتي أمير المؤمنين يزيد. فأخذ له رجل السلاح ، فقال له : أبشر بالنار ، فقال : بل إن شاء الله برحمة ربّي وشفاعة نبيّي ، قال : فقتل وجيء برأسه حتى وضع في طست بين يدي ابن زياد (٣) ، فنكته بقضيبه (٤) وقال : لقد كان غلاما صبيحا ، ثم
__________________
(١) في الأصل «فدم» ، والتحرير من تاريخ ابن جرير والنهاية حيث قال : هو بالتحريك ما تعالج به المرأة فرجها ، وقيل : هو خرقة الحيض (انظر تاريخ الطبري ٥ / ٣٩٤).
(٢) في الأصل «ندما» وفي مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٩٣ «برما» أي مللا وسآمة. والخبر في المعجم الكبير للطبراني (٢٨٤٢) وحلية الأولياء ٢ / ٣٩ ، وتاريخ الطبري ٥ / ٤٠٣ ، ٤٠٤.
(٣) في (مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٩٦) و (اللمعات البرقية في النكت التاريخية لمحمد بن طولون ص ٣) : روي من غير وجه عن عبد الملك بن عمير اللخمي الكوفي أنه قال : رأيت في هذا القصر ـ وأشار إلى قصر الإمارة بالكوفة ـ رأس الحسين بن علي رضياللهعنهما بين يدي عبيد الله بن زياد على ترس ، ثم رأيت فيه رأس عبيد الله بن زياد بين يدي المختار بن عبيد على ترس ، ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب على ترس ، ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبد الملك بن مروان على ترس ...
(٤) تاريخ الطبري ٥ / ٣٩٣.