إذ سمعت خلفي وجبة (١) كوجبة (٢) الطير فالتفتّ ، فإذا هو شيء ملفوف في سبّ (٣) أبيض ـ أي خمار ـ فنزلت إليه ، فإذا هو دوخلّة (٤) من رطب في زمان ليس في الأرض رطبة ، فأكلت منه ، ثم لففت ما بقي ، وركبت الفرس وحملت معي نواهنّ.
قال جرير : فحدّثني أوفى (٥) بن دلهم قال : رأيت ذلك السّبّ مع امرأته ملفوفا فيه مصحف ، ثم فقد بعد (٦).
قلت : هذا حديث صحيح ، روى نحوه عوف الأعرابيّ ، عن أبي السليل ، عن نضلة (٧).
وقال ابن المبارك : ثنا المسلّم بن سعيد الواسطي ، أنا حمّاد بن جعفر بن زيد ، أنّ أباه أخبره ، قال : خرجنا في غزاة إلى كابل ، وفي الجيش صلة بن أشيم ، فنزل الناس عند العتمة ، فقلت : لأرمقنّ عمله ، فصلّى ، ثم اضطجع ، فالتمس غفلة الناس ، ثم وثب فدخل غيضة ، فدخلت في أثره ، فتوضّأ ثم قام يصلّي فافتتح الصلاة ، وجاء أسد حتى دنا منه فصعدت في شجرة قال : أفتراه التفت إليه أو اعتدّ به حتى سجد؟ فقلت : الآن يفترسه فلا شيء ، فجلس ، ثم سلّم ، فقال : أيّها السّبع ، اطلب رزقك من مكان آخر ، فولّى وإنّ له لزئيرا ، أقول : تصدّع منه الجبال ، فما زال كذلك ، حتى إذا كان عند الصبح جلس فحمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها ، إلّا ما شاء الله ، ثم قال : اللهمّ إنّي أسألك أن تجيرني من النّار أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنّة ، ثم رجع ، فأصبح كأنّه بات على الحشايا وقد أصبحت وبي من
__________________
(١) الوجبة : السقطة مع الهدّة أو صوت الساقط.
(٢) في الزهد «كخواية». وهو خفيف الجناح ، كما في النهاية لابن الأثير.
(٣) سبّ : بالكسر ، شقّة كتّان رقيقة.
(٤) دوخلّة : بتشديد اللام ، سقيفة من خوص يوضع فيه التمر.
(٥) في «الزهد» : «عوف».
(٦) الزهد ٢٩٧ ، ٢٩٨ وفي آخره : «فلا يدرون أسرق ، أم ذهب ، أم ما صنع به».
(٧) قال المؤلّف ـ رحمهالله ـ في : سير أعلام النبلاء ٣ / ٤٩٩ : «فهذه كرامة ثابتة».