قال الوليد بن مسلم : حدّثني عبيد الله بن يزيد بن أبي مسلم الثقفي ، عن أبيه قال : كان الحجّاج عاملا لعبد الملك على مكّة ، فكتب إليه بولايته على العراق ، قال : فخرجت معه في نفر ثمانية أو تسعة على النجائب ، فلما كنّا بماء قريب من الكوفة نزل فاختضب وتهيّأ ، وذلك في يوم جمعة ، ثم راح معتمّا قد ألقى عذبة العمامة بين كتفيه متقلّدا سيفه ، حتى نزل عند دار الإمارة عند مسجد الكوفة ، وقد أذّن المؤذّن بالأذان الأول ، فخرج عليهم الحجّاج وهم لا يعلمون ، فجمع بهم ، ثم صعد المنبر فجلس عليه فسكت ، وقد اشرأبّوا إليه وجثوا على الرّكب وتناولوا الحصى ليقذفوه بها ، وقد كانوا حصبوا عاملا قبله ، فخرج عليهم ، فسكت سكتة أبهتهم ، وأحبّوا أن يسمعوا كلامه ، فكان بدء كلامه أن قال : يا أهل العراق ، يا أهل الشّقاق ويا أهل النّفاق ، والله إن كان أمركم ليهمّني قبل أن آتي إليكم ، ولقد كنت أدعو الله أن يبتليكم بي ، فأجاب دعوتي ، ألا إنّي سريت البارحة فسقط منّي سوطي ، فاتّخذت هذا مكانه ـ وأشار إلى سيفه ـ فو الله لأجرّنّه فيكم جرّ المرأة ذيلها ، ولأفعلنّ ولأفعلنّ (١).
قال يزيد : فرأيت الحصى متساقطا من أيديهم ، وقال : قوموا إلى بيعتكم ، فقامت القبائل قبيلة قبيلة تبايع ، فيقول : من؟ فتقول : بنو فلان ، حتى جاءته قبيلة فقال : من؟ قالوا النّخع ، قال : منكم كميل بن زياد؟ قالوا نعم ، قال : فما فعل؟ قالوا أيّها الأمير شيخ كبير ، قال : لا بيعة لكم عندي ولا تقربون حتّى تأتوني به. قال : فأتوه به منعوشا في سرير حتّى وضعوه إلى جانب المنبر ، فقال : ألا لم يبق ممّن دخل على عثمان الدّار غير هذا ، فدعا بنطع وضربت عنقه (٢).
__________________
(١) انظر خطبة الحجّاج في : تاريخ الطبري ٦ / ٢٠٢ وما بعدها ، والعقد الفريد ٤ / ١١٥ وما بعدها ، وعيون الأخبار ٢ / ٢٤٣ وما بعدها ، والبيان والتبيين ٢ / ١٢٠ وما بعدها ، ومروج الذهب ٣ / ١٣٣ وما بعدها ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ١١٤ ، ونهاية الأرب ٧ / ٢٤٥ ، والفتوح لابن أعثم ٧ / ٤.
وفي المصادر المذكورة اختلاف في نصّ الخطبة.
(٢) في تاريخ الطبري ٦ / ٣٦٥ ذكر مقتل كميل بن زياد في سنة ٨٣ ه. ، وانظر عنه في : الفتوح لابن أعثم ٧ / ١٤١ ـ ١٤٣.