وفيها أول فتنة ابن الأشعث : وذلك أنّ الحجّاج كان شديد البغض لعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي ، يقول : ما رأيته قطّ إلا أردت قتله (١).
ثم إنّه أبعده عنه وأمّره على سجستان في هذا العام بعد موت عبيد الله بن أبي بكرة ، فسار إليها ففتح فتوحا ، وسار ينهب بلاد رتبيل ويأسر ويخرّب ، ثم بعث إليه الحجّاج مع هذا كتبا يأمره بالوغول في تلك البلاد ويضعف همّته ويعجّزه ، فغضب ابن الأشعث وخطب الناس ، وكان معه رءوس أهل العراق فقال : إنّ أميركم كتب إليّ بتعجيل الوغول بكم في أرض العدوّ ، وهي البلاد التي هلك فيها إخوانكم بالأمس ، وإنّما أنا رجل منكم ، أمضي إذا مضيتم وآبى إن أبيتم ، فثار إليه الناس فقالوا : لا بل تأبى على عدوّ الله ولا نسمع له ولا نطيع (٢).
وقال عامر بن واثلة الكنانيّ : إنّ الحجّاج ما يرى بكم إلّا ما رأى القائل الأول : (احمل عبدك على الفرس ، فإن هلك هلك ، وإن نجا فلك) إنّ الحجّاج ما يبالي ، إن ظفرتم أكل البلاد وحاز المال ، وإن ظفر عدوّكم كنتم أنتم الأعداء البغضاء ، اخلعوا عدوّ الله الحجّاج وبايعوا عبد الرحمن بن محمد ابن الأشعث ، فنادوا : فعلنا فعلنا ، ثم أقبلوا كالسّيل المنحدر ، وانضمّ إلى ابن الأشعث جيش عظيم ، فعجز عنهم الحجّاج ، واستصرخ بأمير المؤمنين ، فجزع لذلك عبد الملك بن مروان ، وجهّز العساكر الشامية في الحال (٣) ، كما سيأتي في سنة إحدى وثمانين إن شاء الله تعالى.
والحمد لله وحده.
__________________
(١) تاريخ الطبري ٦ / ٣٢٧ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٤٥٤ ، الأخبار الطوال ٣١٧.
(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٣٣٥ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٤٦١ ، ٤٦٢ ، الفتوح ٧ / ١١٧.
(٣) انظر : تاريخ خليفة ٢٨٠ ، وتاريخ الطبري ٦ / ٣٣٦ ، والكامل في التاريخ ٤ / ٤٦٢ ، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٧٧ ، ومروج الذهب ٣ / ١٣٨ ، والأخبار الطوال ٣١٧.