وخرّ ميتا. وقاتل مصعب بن عبد الرحمن حتى قتل ، صابرهم ابن الزبير على القتال إلى الليل ، ثم حاصروه بمكة شهر صفر ، ورموه بالمنجنيق ، وكانوا يوقدون حول الكعبة ، فأقبلت شررة هبّت بها الريح ، فأحرقت الأستار وخشب السقف ، سقف الكعبة ، واحترق قرنا الكبش الّذي فدى الله به إسماعيل ، وكانا في السقف. قال : فبلغ عبد الله بن الزبير موت يزيد بن معاوية ، فنادى بأهل الشام : إنّ طاغيتكم قد هلك. فغدوا يقاتلون ، فقال ابن الزبير للحصين ابن نمير : أدن منّي أحدّثك ، فدنا ، فحدّثه ، فقال : لا نقاتلك ، فائذن لنا نطف بالبيت وننصرف ، ففعل.
وذكر عوانة بن الحكم ، أنّ الحصين سأل ابن الزبير موعدا بالليل ، فالتقيا بالأبطح ، فقال له الحصين : إن يك هذا الرجل قد هلك ، فأنت أحقّ الناس بهذا الأمر ، هلمّ نبايعك ، ثم اخرج معي إلى الشام ، فإنّ هؤلاء وجوه أهل الشام وفرسانهم ، فو الله لا يختلف عليك اثنان ، وأخذ الحصين يكلّمه سرا ، وابن الزبير يجهر جهرا ، ويقول : أفعل ، فقال الحصين : كنت أظنّ أنّ لك رأيا ، ألا أراني أكلّمك سرا وتكلّمني جهرا ، وأدعوك إلى الخلافة وتعدني القتل! ثم قام وسار بجيشه ، وندم ابن الزبير فأرسل وراءه يقول : لست أسير إلى الشام ، إني أكره الخروج من مكة ، ولكن بايعوا لي الشام ، فإنّي عادل عليكم ، ثم سار الحصين ، وقلّ عليهم العلف ، واجترأ على جيشه أهل المدينة وأهل الحجاز ، وجعلوا يتخطّفونهم وذلّوا ، وسار معهم بنو أميّة من المدينة إلى الشام (١).
وقال غيره : سار مسرف بن عقبة وهو مريض من المدينة ، حتى إذا صدر عن الأبواء هلك ، وأمّر على جيشه حصين بن نمير الكندي ، فقال : قد دعوتك ، وما أدري أستخلفك على الجيش ، أو أقدّمك فأضرب عنقك؟ ، قال : أصلحك الله ، سهمك ، فارم به حيث شئت ، قال : إنك أعرابيّ جلف جاف ، وإنّ قريشا لم يمكّنهم رجل قط من أذنه إلا غلبوه على رأيه ، فسر بهذا
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ / ٥٠٢ ، ٥٠٣ ، وانظر : الأخبار الطوال ٢٦٨.