نفسا مسلمة بغير نفس ، فإن كنا قتلنا عدّة رجال منكم ، فاقتلوا عدّة منّا ، وخلّوا سبيل الباقي ، فلم يستمع له ، ثم أمر بكفّ المختار ، فقطعت وسمّرت إلى جانب المسجد ، وبعث عمّاله إلى البلاد ، وكتب إلى ابن الأشتر يدعوه إلى طاعته ويقول : إن أجبتني فلك الشام وأعنّة الخيل.
وكتب عبد الملك بن مروان أيضا إلى ابن الأشتر : إن بايعتني فلك العراق ، ثم استشار أصحابه فتردّدوا ، ثم قال : لا أؤثر على مصري وعشيرتي أحدا ، وسار إلى مصعب (١).
قال أبو غسّان مالك بن إسماعيل : ثنا إسحاق بن سعيد ، عن سعيد قال : جاء مصعب إلى ابن عمر ، يعني لما وفد على أخيه ابن الزبير ، فقال : أي عم ، أسألك عن قوم خلعوا الطاعة وقاتلوا ، حتى إذا غلبوا تحصّنوا وسألوا الأمان ، فأعطوا ، ثم قتلوا بعد ، قال : وكم العدد؟ قال : خمسة آلاف ، قال : فسبّح ابن عمر ، ثم قال : عمرك الله يا مصعب ، لو أنّ امرأ أتى ماشية للزبير ، فذبح منها خمسة آلاف شاة في غداة ، أكنت تعدّه مسرفا؟ قال : نعم ، قال : فتراه إسرافا في البهائم ، وقتلت من وحّد الله ، أما كان فيهم مستكره أو جاهل ترجى توبته! أصب يا ابن أخي من الماء البارد ما استطعت في دنياك (٢).
وكان المختار محسنا إلى ابن عمر ، يبعث إليه بالجوائز والعطايا ، لأنه كان زوج أخت المختار صفيّة بنت أبي عبيد ، وكان أبوهما أبو عبيد الثقفي رجلا صالحا ، استشهد يوم جسر أبي عبيد ، والجسر مضاف إليه ، وبقي ولداه بالمدينة.
فقال ابن سعد : ثنا محمد بن عمر ، ثنا عبد الله بن جعفر ، عن أم بكر بنت المسور (٣) ، وعن رباح بن مسلم ، عن أبيه ، وإسماعيل بن إبراهيم المخزومي ، عن أبيه ، قالوا : قدم أبو عبيد من الطائف ، وندب عمر الناس
__________________
(١) تاريخ الطبري ٦ / ٩٤ ـ ١١١.
(٢) انظر تاريخ الطبري ٦ / ١١٣.
(٣) في الأصل «بنت المسعود» ، والتصحيح من الطبقات الكبرى لابن سعد ٥ / ١٤٨.