الرأي أن ترجع وتدعو إلى نفسك ، وأنا أكفيك قريشا ومواليها ، فرجع ونزل عبيد الله بباب الفراديس ، فكان يركب إلى الضّحّاك كلّ يوم ، فعرض له رجل فطعنه بحربة في ظهره ، وعليه من تحت الدّرع ، فانثنت الحربة ، فرجع عبيد الله إلى منزله ، فأتاه الضّحّاك يعتذر ، وأتاه بالرجل فعفا عنه ، وعاد يركب إلى الضّحّاك ، فقال له يوما : يا أبا أنيس ، العجب لك ، وأنت شيخ قريش ، تدعو لابن الزبير وأنت أرضى عند الناس منه ، لأنك لم تزل متمسّكا بالطّاعة ، وابن الزبير مشاقّ مفارق للجماعة! فأصغى إليه ودعا إلى نفسه ثلاثة أيام ، فقالوا : قد أخذت عهودنا وبيعتنا لرجل ، ثم تدعو إلى خلعه من غير حدث أحدث! وامتنعوا عليه ، فعاد إلى الدعاء لابن الزبير ، فأفسده ذلك عند الناس ، فقال عبيد الله بن زياد : من أراد ما تريد لم ينزل المدائن والحصون ، بل يبرز ويجمع إليه الخيل فاخرج عن دمشق وضمّ إليك الأجناد ، فخرج ونزل المرج ، وبقي ابن زياد بدمشق ، وكان مروان وبنو أميّة بتدمر ، وابنا يزيد بالجابية عند حسّان ، فكتب عبيد الله إلى مروان : أدع النّاس إلى بيعتك ، ثم سر إلى الضّحّاك ، فقد أصحر لك ، فبايع مروان بنو أميّة ، وتزوّج بأمّ خالد ابن يزيد بن معاوية ، وهي بنت هاشم بن عتبة بن ربيعة ، واجتمع خلق على بيعة مروان ، وخرج ابن زياد فنزل بطرف المرج ، وسار إليه مروان في خمسة آلاف ، وأقبل من حوّارين (١) عبّاد بن زياد في ألفين من مواليه ، وكان بدمشق يزيد بن أبي النمس (٢) فأخرج عامل الضّحّاك منها ، وأمر مروان بسلاح ورجال ، فقدم إلى الضّحّاك زفر بن الحارث الكلابيّ من قنّسرين ، وأمدّه النعمان بن بشير بشرحبيل بن ذي الكلاع في أهل حمص ، فصار الضّحّاك في ثلاثين ألفا ، ومروان في ثلاثة عشر ألفا أكثرهم من رجاله (٣) ولم يكن في عسكر مروان غير ثمانين عتيقا نصفها لعبّاد بن زياد ، فأقاموا بالمرج عشرين يوما يلتقون في كلّ يوم ، وكان على ميمنة مروان عبيد الله بن زياد ، وعلى
__________________
(١) في الأصل «جوار بن».
(٢) مهمل في الأصل ، والتحرير من تاريخ ابن جرير ٥ / ٥٣٢ و ٥٣٧.
(٣) في سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٤٤ «أكثرهم رجّالة».