أخندق على نفسي؟ قال : لا تفعل ، إنّا لله ، هل يريد القوم إلا هذه ، إن طاولوك وما ماطلوك فهو خير لكم ، هم أضعافكم ، ولكن ناجز القوم ، فإنّهم قد ملئوا منكم رعبا ، وإن شاموا أصحابك وقاتلوهم يوما بعد يوم أنسوا بهم واجترءوا عليهم ، فقال : الآن علمت أنك ناصح لي ، والرأي ما رأيت ، وإن صاحبي بهذا الرأي أمدّني ، ثم انصرف عمير ، وأتقن ابن الأشتر أمره ولم ينم ، وصلّى بأصحابه بغلس ، ثم زحف بهم حتى أشرف من تلّ على القوم ، فجلس عليه ، وإذا أولئك لم يتحرّك منهم أحد ، فقاموا على دهش وفشل ، وساق ابن الأشتر على أمرائه يوصيهم ويقول : يا أنصار الدين وشيعة الحقّ ، هذا عبيد الله بن مرجانة قاتل الحسين ، حال بينه وبين الفرات أن يشرب منه هو وأولاده ونساؤه ، ومنعه أن ينصرف إلى بلده ، ومنعه أن يأتي ابن عمّه يزيد فيصالحه حتى قتله ، فو الله ما عمل فرعون مثله ، وقد جاءكم الله به ، وإني لأرجو أن يشفي صدوركم ، ويسفك دمه على أيديكم ، ثم نزل تحت رايته ، فزحف إليه عبيد الله بن زياد ، وعلى ميمنته الحصين بن نمير ، وعلى ميسرته عمير (١) بن الحباب ، وعلى الخيل شرحبيل بن ذي الكلاع ، فحمل الحصين على ميسرة ابن الأشتر فحطّمها ، وقتل مقدّمها عليّ بن مالك الجشميّ ، فأخذ رايته قرّة بن علي ، فقتل أيضا ، فانهزمت الميسرة ، وتحيّزت مع ابن الأشتر ، فحمل وجعل يقول لصاحب رايته : انغمس برايتك فيهم ، ثم شدّ ابن الأشتر ، فلا يضرب بسيفه رجلا إلا صرعة ، واقتتلوا قتالا شديدا ، وكثرت القتلى ، فانهزم أهل الشام ، فقال ابن الأشتر : قتلت رجلا وجدت منه رائحة المسك ، شرّقت يداه وغرّبت رجلاه ، تحت راية منفردة على جنب النهر ، فالتمسوه فإذا هو عبيد الله بن زياد ، قد ضربه فقدّه بنصفين ، وحمل شريك التغلبيّ (٢) على الحصين بن نمير فاعتنقا ، فقتل أصحاب شريك حصينا ، ثم تبعهم أصحاب ابن الأشتر ، فكان من غرق في الخازر أكثر ممّن قتل ، ثم إنّ إبراهيم بن الأشتر دخل الموصل ، واستعمل عليها وعلى نصّيبين ودارا وسنجار ، وبعث
__________________
(١) في الأصل «عمر» والتصحيح من السياق.
(٢) في الأصل «الثعلبي».