الكوفة ودخلوا المدائن ، فقتلوا الرجال والنساء ، وعليهم الزبير بن الماحوز ، وقد كان قاتلهم عمر بن عبد الله التيمي أمير البصرة بسابور. وصاح أهل الكوفة بأميرهم الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة (١) ، الملقّب بالقباع (٢) ، وقالوا : انهض ، فهذا عدوّ ليست له تقية ، فنزل بالنّخيلة ، فقام إليه إبراهيم بن الأشتر فقال : قد سار إلينا عدوّ يقتل المرأة والمولود ، ويخرّب البلاد ، فانهض بنا إليه ، فرحل بهم ، ونزل دير عبد الرحمن ، فأقام أياما حتى دخل شبث بن ربعيّ ، فكلّمه بنحو كلام إبراهيم ، فارتحل ولم يكد ، فلما رأى الناس بطء سيره رجزوا فقالوا :
سار بنا القباع سيرا نكرا |
|
يسير يوما ويقيم شهرا |
فأتى الصّراة (٣) ، وقد انتهى إليها العدوّ ، فلما رأوا أنّ أهل الكوفة قد ساروا إليهم ، قطعوا الجسر ، فقال ابن الأشتر للحارث القباع : أندب معي الناس حتى أعبر إلى هؤلاء الكلاب ، فأجيئك برءوسهم الساعة ، فقال شبث ابن ربعي ، وأسماء بن خارجة : دعهم فليذهبوا ، لا تبدءوهم بقتال ، وكأنهم حسدوا ابن الأشتر.
قال : ثم إنّ الحارث عمل الجسر ، وعبر الناس إليهم فطاروا حتى أتوا المدائن ، فجهّز خلفهم عسكرا ، فذهبوا إلى أصبهان ، وحاصروها شهرا ، حتى أجهدوا أهلها ، فدعاهم متولّيها عتّاب بن ورقاء ، وخطبهم وحضّهم على مناجزة الأزارقة ، فأجابوه ، فجمع الناس وعشّاهم وأشبعهم ، وخرج بهم سحرا ، فصبّحوا الأزارقة بغتة ، وحملوا حتى وصلوا إلى الزبير بن الماحوز ، فقاتل حتى قتل في جماعة من عصابته ، فانحازت الأزارقة إلى قطريّ بن الفجاءة ، فبايعوه بالخلافة ، فرحل بهم ، وأتى ناحية كرمان ، وجمع الأموال والرجال ، ثم نزل إلى الأهواز ، فسيّر مصعب لقتالهم ، لما أكلبوا الناس ،
__________________
(١) في الأصل : «الحارث بن أبي ربيعة» ، وكذا في تاريخ الطبري ٦ / ١٢٢.
(٢) بضم أوله وتخفيف الموحدة ، كما في (تاريخ الطبري ٦ / ١٢٣).
(٣) بفتح الصاد ، نهر ببغداد يصبّ في دجلة. (معجم البلدان ٣ / ٣٩٩).