سيدنا ومولانا شيخ الإسلام بقية السلف الكرام أبو زكريا محيى الدين يحيى الشهير بوالده مؤلف هذا الكتاب : أنشأ هذه الزاوية رجل يقال له الشيخ عمر الإسكاف الحموي (١) أتى دمشق في أواخر قانصوه الغوري (٢) ، واشتهر في أول تولية السلطان سليم (٣) نصره الله تعالى على هذه المملكة الشامية ، وبنى لنفسه هذه الزاوية والدار سكنه بجانبها في سنة ثمان وعشرين وتسعمائة. وكان يدعي بأنه يربي الفقراء ويأمرهم بأن يلبسوا الفروة مقلوبة ، ويركبوا القصبة ، ويعلقوا في أرقابهم معلاق رأس الغنم ويدوروا بذلك في شوارع دمشق ، لأجل كسر النفس كما يزعم لهم شيخهم المذكور ، وهم يقولون لا إله إلا الله بأعلا صوتهم ولم يسلموا على أحد من غير طريقتهم ، وصار له أتباع كثيرة من دمشق وضواحيها وغيرهم ، ومن غضب عليه الشيخ منهم أخرجه وطرده ، فيستمر يأتي ويضع وجهه على عتبة باب الزاوية ويذكر مع الفقراء من خارج الباب فيما يزعم ، ويقرأ الآية من القرآن بلحن فاحش ، ويتكلم عليها برأيه ، وكذلك غالب أكابر أتباعه ، وأمر غالب من اتبعه إذا توفي أن يدفن شمالي تربة باب الفراديس وغربيها ، وجعل بينها وبين التربة جدار حائط دائر بها لتكون خاصة برسم فقرائه ، ولم يدفن هو عندهم فيها ، بل جعل له غربي زاويته المذكورة قبة برسم دفنه تحتها ، وشباك حديد مطل للطريق السالك لسويقة صاروجا والصالحية وغيرها. ولما كان عشية يوم الاثنين سلخ شهر ربيع الثاني سنة إحدى وخمسين وتسعمائة ، حادي عشرين تموز ، توفي الشيخ عمر المذكور ، وفي بكرة يوم الثلاثاء مستهل جمادى الأولى غسل وكفن وصلي عليه ، ودفن تحت القبة المذكورة بزاويته المذكورة ، وترك ولدين رجلين محمد وعلي ثم من بعده انحلت غالب اتباعه عن طريقته ، وصار ولده محمد المذكور مكانه بالزاوية المذكورة ، يجتمع عليه بها أناس قلائل ، يتكلم لهم بها على طريقة والده انتهى.
__________________
(١) شذرات الذهب ٨ : ٢٨٩.
(٢) شذرات الذهب ٨ : ١١٣.
(٣) شذرات الذهب ٨ : ١٤٣.