ولا فرح المأمون بالملك بعده |
|
ولا زال في الدّنيا طريدا مشرّدا (١) |
هذه بتلك ، ولا شيء له عندنا.
قال الحاجب : فأين عادة عفو أمير المؤمنين.
قال : أمّا هذه فنعم. ائذنوا له.
فدخل ، فقال له : هل عرفت يوم قتل أخي هاشميّة هتكت؟
قال : لا.
قال : فما معنى قولك :
وممّا شجى قلبي وكفكف عبرتي |
|
محارم من آل الرسول استحلّت |
ومهتوكة بالجلد عنها سجوفها |
|
كعاب كقرن الشّمس حين تبدّت |
فلا بات ليل الشّامتين بغبطة |
|
ولا بلغت آمالهم ما تمنّت |
فقال : يا أمير المؤمنين ، لوعة غلبتني ، وروعة فاجأتني ، ونعمة سلبتها بعد أن غمرتني. فإن عاقبت فبحقّك ، وإن عفوت فبفضلك. فدمعت عينا المأمون وأمر له بجائزة.
حكى الصّوليّ أنّ المأمون كان يحبّ اللّعب بالشّطرنج ، واقترح فيه أشياء.
وكان ينهى أن يقال : تعال نعلب ، ويقول : بل نتناقل (٢).
ولم يكن بها حاذقا ، فكان يقول : أنا أدبّر أمر الدّنيا واتّسع لها ، وأضيق عن تدبير شبرين. وله فيها شعر :
أرض مربّعة حمراء من أدم (٣) |
|
ما بين إلفين معروفين (٤) بالكرم |
تذاكرا الحرب فاحتالا لها حيلا |
|
من غير أن يأثما فيها بسفك دم |
هذا يغير على هذا وذاك على |
|
هذا يغير وعين الحزم لم تنم |
فانظر إلى فطن جالت بمعرفة |
|
في عسكرين بلا طبل ولا علم (٥) |
__________________
(١) ورد هذا البيت في (بغداد لابن طيفور ١٨٢).
(٢) ربيع الأبرار للزمخشري ٤ / ٨٧ وفيه : «نتزاول ونتقاتل».
(٣) الأدم : الجلد. وكانت رقاع الشطرنج تعمل من الجلد المدبوغ ، وأحيانا من الخشب.
(٤) في محاضرات الأدباء «موصوفين».
(٥) الأبيات في : محاضرات الأدباء للراغب الأصبهاني ، وأنموذج القتال في نقل العوال ٥٦ ، وهي