فقال ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : إنّما الصبر عند الصدمة الأُولى». (١)
فإذا كانت زيارة القبور محرّمة لنهاها النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ عن الزيارة ، ولكنّك ترى أنّه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أوصاها بالتقوى والصبر عند المصيبة ، ولم ينهاها عن زيارة المقابر.
خامساً : إنّ السيّدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كانت تخرج إلى زيارة قبر عمّها حمزة ـ في كلّ جمعة أو أقلّ من ذلك ـ وكانت تصلّي عند قبره وتبكي. (٢)
سادساً : يقول القرطبي :
«لم يلعن النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كلّ امرأة تزور القبور ، بل لعن المرأة الّتي تزور القبور دوماً والدليل على ذلك قوله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : «زوّارات القبور» وكلمة «زوّار» هي صيغة المبالغة ، وتدلّ على الكرّة والتكرار». (٣)
ولعلّ العلّة في لعن «زوّارات القبور» هي أنّ الإكثار منها يؤدّي إلى ضياع حقّ الزوج ويجرّها إلى التبرّج المنهيّ عنه ، ويكون مصحوباً بالبكاء بصوتٍ عال ، ولكن لو كانت الزيارة خالية عن كلّ محذور فلا إشكال فيها أبداً ، لأنّ تذكّر الموت والآخرة ممّا يحتاج إليه الرجل والمرأة على السواء.
سابعاً : إنّ زيارة القبور ـ في الوقت الّذي تؤدّي إلى الزهد في الدنيا وزخارفها تعود بالنفع على الميّت الراقد تحت أكوام التراب ، إذ أنّ الزيارة ـ عادة ـ تكون مقرونة بتلاوة سورة الفاتحة وإهدائها إلى روح ذلك الميّت ، وهذه الهديّة هي أفضل ما يقدّمه الإنسان الحيّ إلى روح فقيده الغالي.
يروي ابن ماجة عن النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أنّه قال :
__________________
(١) صحيح البخاري : ٢ / ٧٩ ، كتاب الجنائز ، باب زيارة القبور.
(٢) مستدرك الصحيحين : ١ / ٣٧٧ ، وفاء الوفا : ٢ / ١١٢.
(٣) جاء في سنن أبي داود : «زائرات» بدل «زوّارات».