ولمّا سُقي النّاسُ طَفِقُوا يَتَمسَّحُون بالعباس ويقولون : هنيئاً لك ساقي الحَرَمينِ». (١)
إنّ التأمّل في هذه القضية التاريخية ـ والّتي ذكر بعضاً منها البخاري في صحيحه ـ يؤكّد على أنّ من مصاديق «الوسيلة» هو التوسّل بأصحاب الجاه والمنزلة عند الله ، حيث ينتج منه التقرّب إلى الله وتكريم الداعي والمتوسّل.
وأيّ تعبير أوضح من قوله :
«هذا ـ والله ـ الوَسيلَةُ إلى الله وَالمَكانُ منهُ»؟!
٢. يقول القسطلاني (٢) (المتوفّى عام ٩٢٣ ه) :
«إنّ عمر ـ لمّا استسقى بِالعبّاس ـ قالَ : «أيّها الناسُ إنّ رسول الله كانَ يرى للعبّاس ما يرى الولَدُ للوالِد ، فاقتَدُوا به في عمّه واتَّخذُوه وسيلةً إلى الله تعالى». ففيه التصريح بالتوسّل ، وبهذا يبطل قول من منع التوسّل ، مطلقاً ، بالأحياء والأموات ، وقول من منع ذلك بغير النبي».
٣. سبق أن ذكرنا بأنّ المنصور العبّاسي «الدوانيقي» سأل مالك بن أنس ـ إمام المالكية ـ عن كيفية زيارة رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ والتوسّل به ... فقال لمالك :
«يا أبا عبد الله أستقبلُ القِبلة وأدعو ، أم أستقبل رسول الله؟ فقال مالك في جوابه : لِمَ تَصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلَة أبيك آدم إلى الله يومَ القِيامة؟! بل استقبله واستشفع به فيشفِّعك الله ، قال الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ...). (٣)
__________________
(١) أُسد الغابة في معرفة الصحابة : ٣ / ١١١ ، طبعة مصر.
(٢) في كتاب المواهب اللدنيّة : طبعة مصر.
(٣) وفاء الوفا : ٢ / ١٣٧٦.