وكذلك كانوا يعتقدون بأنّ صلاحية الشفاعة والمغفرة ـ الّتي هي خاصّة بالله وحده ـ قد فُوِّضتْ إلى أصنامهم المعبودة ، فهي تتصرّف بالاستقلال الكامل في تلك الصلاحيّات ، ولهذا ترى الآيات القرآنية ـ الّتي تتحدّث عن الشفاعة ـ تؤكّد بأنّ الشفاعة لا تتحقّق إلّا بإذن الله تعالى ، كما في قوله سبحانه :
(... مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ...). (١)
ولو كان المشركون يعتقدون بأنّ أصنامهم المعبودة تملك الشفاعة بإذن الله سبحانه ، لما كنت ترى هذا النفي القرآني القاطع للشفاعة بدون إذن الله تعالى.
إنّ بعض حكماء اليونان كانوا قد نحتوا ـ في أفكارهم ـ آلهة متعدّدة لكلّ شأن من شئون العالَم ، فالمطر له إله والزرع له إله والإنسان له إله وهكذا ، وكانوا يزعمون أنّ التصرّف في شئون الكون ـ الّذي هو خاصّ بالله سبحانه ـ قد فُوِّض إلى هذه الآلهة.
وفي العهد الجاهلي كان بعض العرب يعبدون الملائكة والنجوم الثابتة والمتحرّكة ، ظنّاً منهم أنّ تدبير شئون الكون والإنسان قد فُوّض إليها ، فهي تتصرّف بالاستقلال والاختيار الكامل ، وأنّ الله تعالى يعيش معزولاً مجرّداً عن كلّ هذه الصلاحيّات بصورة كاملة ، تعالى الله عن هذا عُلوّاً كَبيراً. (٢)
ولهذا فإنّ كلّ نوع من الخضوع للملائكة والنجوم يُعتبر عبادة ، لكونه نابعاً من هذا الاعتقاد الخاطئ.
والبعض الآخر من عرب الجاهلية لم يعتبروا الأصنام الخشبية والمعدنية آلهة وخالقة لهم ولا مدبّرة لشئون الكون والإنسان ، بل كانوا يعتبرونها أو ما يحكي صور هذه الأصنام عنه مالكة للشفاعة ، وكانوا يقولون : هؤلاء ـ أي الأصنام ـ
__________________
(١) البقرة : ٢٥٥.
(٢) راجع الملل والنحل للشهرستاني : ٢ / ٢٤٤ ـ ٢٤٧ ، طبعة مصر.