تحصى ، وانتهكت بها أعراض لا تعدّ ، وتقاطعت فيها أرحام أمر الله بها أن توصل ، عياذاً بالله من المزالق والفتن ، ولا سيّما فتن الشبهات.
فاعلم أنّهم فسّروا العبادة بالإتيان بأقصى غاية الخضوع ، وأرادوا بذلك المعنى اللغوي ، أمّا معناها الشرعي فهو أخصّ من هذا كما يظهر للمحقّق الصبّار على البحث من استقراء مواردها في الشرع ، فإنّه الإتيان بأقصى غاية الخضوع قلباً باعتقاد ربوبية المخضوع له ، أو قالباً (١) مع ذلك الاعتقاد ـ و «أو» فيه للتقسيم ـ فإن انتفى ذلك الاعتقاد لم يكن ما أتى به من الخضوع الظاهري من العبادة شرعاً في كثير ولا قليل مهما كان المأتيّ به ولو سجوداً. ومثل اعتقاد الربوبية اعتقاد خصيصة من خصائصها كالاستقلال بالنفع والضرّ ، وكنفوذ المشيئة لا محالة ولو بطريق الشفاعة لعابده عند الربّ الّذي هو أكبر من هذا المعبود. وإنّما كفر المشركون بسجودهم لأوثانهم ودعائهم إيّاهم وغيرهما من أنواع الخضوع لتحقّق هذا القيد فيهم ، وهو اعتقادهم ربوبية ما خضعوا له ، أو خاصّة من خواصّها كما سيأتيك تفصيله. ولا يصحّ أن يكون السجود لغير الله فضلاً عمّا دونه من أنواع الخضوع بدون هذا الاعتقاد عبادة شرعاً ، فانّه حينئذٍ يكون كفراً ، وما هو كفر فلا يختلف باختلاف الشرائع ، ولا يأمر الله عزوجل به (... قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ ...) (٢) ، (... وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ ...) (٣) وذلك ظاهر إن شاء الله.
وها أنت ذا تسمع الله تعالى قد قال للملائكة : (... اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ ...) (٤) وقال : (... أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ...) (٥). وقال : (... أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ...). (٦) والقول بأنّ آدم كان قبلة قول لا يرضاه
__________________
(١) أي ظاهراً.
(٢) الأعراف : ٢٨.
(٣) الزمر : ٧.
(٤) البقرة : ٣٤.
(٥) الأعراف : ١٢.
(٦) الإسراء : ٦١.