وختاماً تجدر الإشارة إلى أنّنا أوردنا الاستدلال بالسلام عند التشهد في خلال البحث عن الآيات المذكورة ، بسبب قطعيّته وثبوته الأكيد.
وإليك الآن نموذجين ـ من التاريخ ـ حول التحدّث مع الأرواح.
١. روي عن النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أنّه وقف على قليب (١) «بَدْر» وخاطب المشركين ـ الذين قُتلوا وأُلقيت أجسادهم في القليب ـ :
«لقد كنتم جيرانَ سُوءٍ لرسُولِ اللهِ ، أخرجتُمُوهُ مِنْ مَنزِلهِ وَطردتُمُوهُ ، ثُمَّ اجْتَمعْتُمْ عليهِ فَحارَبْتُمُوهُ ، فقدْ وَجَدْتُ ما وَعَدَني رَبّي حَقّاً».
فقال له رجل : يا رَسُول الله ما خطابُك لهامٍ قَد صُديَتْ؟ (٢)
فقال ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ :
«والله ما أنت بأسمع منهم ، وما بيْنَهم وبين أن تأخذهم الملائكَةُ بِمَقامِعَ من حَديد إلّا أن أُعرضَ بِوَجهي ـ هكذا ـ عَنْهُمْ». (٣)
٢. وروي أنّ الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليهالسلام ـ ركب دابّته ـ بعد انتهاء حرب الجَمل في البصرة ـ وصار يتخلّل القتلى ، حتّى مرّ على كعب بن سور ـ وكان قاضي البصرة منذ أيّام عمر وفي أيّام عثمان ، ولمّا وقعت الفتنة بالبصرة خرج لحرب خليفة رسول الله وإمام زمانه ، مع أهله وولده فقُتلوا جميعاً ـ فوقف عليه أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ وهو صريع بين القتلى :
فقال ـ لمن حوله ـ :
«أجْلِسُوا كَعْبَ بن سُور».
__________________
(١) القليب : البئر.
(٢) الهام ـ جمع هامة ـ : الرأس. صُديت : تفسَّخت ، والمعنى : كيف تخاطب رءوساً قد تفسَّخت.
(٣) صحيح البخاري : ٥ / ٧٦ ـ ٧٧ باب قتل أبي جهل ؛ سيرة ابن هشام : ٢ / ٢٩٢ ؛ حقّ اليقين للسيّد عبد الله شُبَّر : ٢ / ٧٣.