الاعتقاد بألوهيّة ذلك المدعوّ وربوبيّته وتصرُّفه في شئون الخلق والكون (١) وأين هذا من طلب الشفاعة من النبي النابع من الاعتقاد بأنّه عبد صالح عزيز عند الله؟!
ثانياً : إنّ ما تُحرّمه الآية وتنهى عنه أن ندعو مع الله أحداً ، ونجعله مساوياً في الدعاء كما تدلّ على هذا جملة «مع الله» فإذا طلب إنسان من النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أن يبتهل إلى الله بالدعاء والتوسّل لقضاء حاجته وغفران ذنوبه ، فليس معناه أنّه دعا مع الله أحداً ، بل إنّ هذا الدعاء ـ في الحقيقة ـ ليس إلّا دعاء الله سبحانه.
وإذا كانت بعض الآيات تعتبر طلب الحاجة من الأصنام شركاً فإنّما هو بسبب أنّهم كانوا يعتبرون الأصنام آلهة صغاراً تملك الاختيار الكامل لأفعال الله تعالى ، كلّها أو بعضها ، ولهذا ترى القرآن الكريم ينتقد هذه الأفكار الباطلة فيقول :
(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ). (٢)
ويقول أيضاً :
(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ ...). (٣)
وخلاصة القول : إنّ المشركين كانوا يعتبرون أصنامهم آلهة صغاراً ، وأنّ أفعال الله تعالى مفوَّضة إليها بشكل مطلق ، لكن طلب الشفاعة والدعاء من إنسان منحه الله الكرامة والمنزلة فاقد لهذه الخصائص والشروط. فأين اعتقاد المشركين في حقّ أصنامهم من اعتقاد المسلمين في حقّ أوليائهم؟!!
قليلاً من الإنصاف والموضوعيّة!
__________________
(١) فقوله تعالى : (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) معناه فلا تعبدوا مع الله أحداً ، كما يقول سبحانه في آية أُخرى : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) سورة الفرقان ، آية ٦٨ : أي لا يعبدون مع الله إلهاً آخر.
(٢) الأعراف : ١٩٧.
(٣) الأعراف : ١٩٤.