يأتي الدليل الثالث وهو انّ دعوة الغير وطلب الحاجة منه ، عبادة له بنصّ القرآن الكريم ، قال تعالى :
(... فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) (١). وليس للنهي وجه سوى كون دعاء الغير عبادة له.
والدليل على أنّ دعاء غير الله عبادة للمدعوّ ، هو قوله تعالى :
(... ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ). (٢)
فلو تأمّلنا في الآية لرأينا أنّها بُدئتْ بلفظ «الدعوة» وخُتمتْ بلفظ «العبادة» وهذا دليل على أنّ مفهوم الكلمتين واحد ، وقد روي عن النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ :
«الدُّعاء مُخُّ العِبادَة». (٣)
الجواب
أوّلاً : ليس المقصود من النهي عن دعوة غير الله ـ في قوله سبحانه : (فَلا تَدْعُوا) ـ الدعوة المطلقة ، بل المقصود هو الدعاء الخاص الذي يعادل العبادة ، إذ من المعلوم أنّ مطلق دعاء الغير ليس عبادة له ، فقولك : يا زيد اسقني ، ليس عبادة للساقي ، والدليل على هذا هو بداية الآية حيث قال تعالى :
(وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا ...).
فالآية ـ بمجموعها ـ تدلّ على أنّ الدعوة المحرّمة هي الدعوة النابعة عن
__________________
(١) الجن : ١٨.
(٢) غافر : ٦٠.
(٣) سفينة البحار : مادة «الدعاء».