روى أصحاب السِّير والتاريخ أنّه لمّا احتضر إبراهيم ابن النبيّ جاء ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فوجده في حجر أُمّه ، فأخذه ووضعه في حجره وقال : «يا إبراهيم إنّا لن نغني عنك من الله شيئاً ـ ثمّ ذرفت عيناه وقال : ـ إنّا بك يا إبراهيم لمحزونون ، تبكي العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الربّ ، ولو لا أنّه أمرٌ حقٌّ ووعدٌ صدقٌ وأنّها سبيل مأتية لحزنا عليك حزناً شديداً أشدّ من هذا».
ولمّا قال له عبد الرحمن بن عوف : أو لم تكن نهيت عن البكاء؟ أجاب بقوله : «لا ، ولكن نهيتُ عن صوتين أحمقين وآخرين ... : صوت عند مصيبة وخمش وجوه وشقّ جيوب ورنّة شيطان ، وصوت عن نغمة لهو ؛ وهذه رحمة ، ومن لا يَرحم لا يُرحَم». (١)
وليس هذا أوّل وآخر بكاء منه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ عند ابتلائه بمصاب أعزّائه ، بل كان ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ يبكي على ابنه «طاهر» ويقول : «إن العين تذرف وإنّ الدمع يغلب والقلب يحزن ولا نعصي الله عزوجل». (٢)
وقد قام العلّامة الأميني في موسوعته الكبيرة «الغدير» بجمع موارد كثيرة بكى فيها النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ والصحابة والتابعون على موتاهم وأعزائهم عند افتقادهم ، وإليك نصّ ما جاء به ذلك المتتبع الخبير :
وهذا هو ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ لمّا أُصيب حمزة ـ رضي الله عنه ـ وجاءت صفيّة بنت عبد المطلّب ـ رضي الله عنها ـ تطلبه فحال بينها وبينه الأنصار فقال ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ : دعوها ، فجلست عنده فجعلت إذا بكت بكى رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وإذا نشجت نَشَجَ وكانت فاطمة ـ عليهاالسلام ـ تبكي ورسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كلّما بكت يبكي وقال : لن أُصاب
__________________
(١) السيرة الحلبية : ٣ / ٣٤٨.
(٢) مجمع الزوائد للهيثمي : ٣ / ٨.