حتّى جاء البقيع ، فرفع يديه ثلاث مرات فأطال ، ثمّ انحرف فانحرفت ، فأسرع فأسرعت ، فهرولَ فهرولتُ ، فأحضرَ فأحضرتُ ، وسبقته فدخلتُ فليس إلّا أن اضطجعتُ ، فدخل فقال : ما لك يا عائشة حشيا رابية؟.
قالت : لا ، قال : لِتُخْبِرَنِّي أو لِيُخْبِرَنِّي اللطيف الخبير ، قلت يا رسول الله : بأبي أنت وأُمّي فأخبرته الخبر ، قال : فأنتِ السواد الذي رأيت إمامي ، قالت : نعم. فلهزني في صدري لهزة أوجعتني ، ثمّ قال : أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله ، قلت : مهما يكتم الناس فقد علمه الله.
قال : فانّ جبرئيل أتاني حين رأيت ولم يدخل عليَّ ، وقد وضعت ثيابك فناداني فأخفى منك ، فأجبته فأخفيته منك ، فظننت ان قد رقدتِ وكرهتُ أن أُوقظك وخشيتُ أن تستوحشي ، فأمرني أن آتي البقيع فأستغفر لهم ، قلت : كيف أقول يا رسول الله؟
قال : قولي : السّلام على أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين ، يرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون. (١)
وجه الدلالة : انّ تعليم الزيارة آية جواز العمل بها.
مضافاً إلى أنّ قوله : «وكرهت أن أُوقظك» مشيراً إلى أنّه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كره إيقاظها لتشاركه في زيارة البقيع.
نعم ليس في الرواية ما يدلّ على دخولها البقيع ، وإنّما خرجت من بيتها للاطلاع على حال الرسول ، وانّه إلى أين ذهب ، لكن الاستدلال ليس منصبّاً على دخولها البقيع وزيارتها مع النبي ، بل هو منصبّ على أنّه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ علّمها الزيارة ،
__________________
(١) سنن النسائي : ٤ / ٩١ ، الأمر بالاستغفار للمؤمنين ؛ صحيح مسلم : ٣ / ٦٤ ، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها. واللفظ في المتن للنسائي ، وبين النقلين اختلاف طفيف. قوله «حَشْيا» : مرتفعة النفس.