لقبرها آثار مشهودة ، ولمّا احتلّ الوهّابيّون الحجاز عمدوا إلى محو آثاره وطمس معالمه!
كلّ هذه المراقد والقبور كانت بمرأى من المسلمين يوم فتحوا تلك البلاد ، ومع ذلك لم يصدر منهم أيّ ردّ فعل سلبي تجاهها ، ولم يأمروا بهدمها وتخريبها ، فلو كان البناء على القبور ودفن الموتى في مقابر مسقَّفة عملاً محرّماً في الإسلام ، لكان المفروض على أُولئك المسلمين أن يقوموا ـ قبل كلّ شيء ـ بهدم تلك القبور الّتي لا زالت متواجدة ، في مناطق متعدّدة من القدس والأُردن والعراق ، ولكانوا يمنعون من تجديد بنائها أو إعادته على مرّ العصور والأزمان ، ولكنّنا نرى أنّهم لم يأمروا بهدمها فحسب ، بل دأبوا على تعميرها وصيانتها طوال أربعة عشر قرناً.
لقد كانوا يدركون ـ بوحي من العقل ـ أنّ حماية آثار الأنبياء وصيانتها إنّما هي نوع من الاحترام لهم ، وأنّ ذلك (تكريمهم ـ لا عبادتهم ـ) يقرّبهم إلى الله عزوجل ويُنيلهم الأجر والثواب.
يقول ابن تيميّة ـ في كتابه الصراط المستقيم ـ :
«عند ما تمّ فتح القدس كانت لقبور الأنبياء هناك أبنية ولكن أبوابها كانت مغلقة حتى القرن الرابع الهجري». (١)
فلو كان البناء على القبور حراماً لكان هدمه واجباً ، ولم يكن هناك مبرّر لتركها على حالها مغلّقة الأبواب ، بل كان الإسراع إلى هدمها واجبا ، على فرض صحّة قول ابن تيميّة من إغلاق أبوابها إلى القرن الرابع.
وخلاصة القول : إنّ بقاء تلك الأبنية والقباب على القبور طوال هذه الفترة ، وبمرأى علماء الإسلام وفقهائه دليل واضح على جوازها في الدين الإسلامي المقدّس.
__________________
(١) كشف الارتياب : ٣٨٤.