كانت أرضاً مواتاً متروكة كسائر الأراضي الموات ، وكان أهل المدينة يدفنون موتاهم فيها ، وعلى هذا فأرض البقيع كانت من «المباحات الأوّلية» الّتي يجوز التصرّف فيها مطلقاً ، بأيّ شكل كان.
لقد كان الناس ـ في العهود السابقة ـ غير حريصين على تملّك الأراضي البائرة الموات ، إذ لم تكن الإمكانيّات متوفّرة لديهم للقيام بالبناء والعمران إلّا قليلاً ، كما لم تبدأ ـ يومذاك ـ هجرة أهل القرى إلى المُدن ، ولم تكن هناك مشكلة باسم مشكلة «الأرض» وأفراد باسم «محتكري الأرض» ومؤسّسات عقاريّة باسم «بورصة الأراضي» ولهذا فإنّ أراضي واسعة كانت متروكة بلا مالك ، وهي ما يُعبّر عنها في الشريعة الإسلامية ب «المباحات» و «الأراضي الموات».
وقد جرت العادة ـ في المدن والقرى ـ بأن يُخصِّص الناس قطعة من الأرض لدفن الموتى فيها ، أو كان واحد منهم يَدفن فقيده في أرض ، ويتبعه الآخرون في ذلك ، من دون التفات إلى الوقف أصلاً.
وأرض البقيع ليست مستثناة من هذه القاعدة ، فلم تكن الأرض ـ في الحجاز والمدينة ـ ذات قيمة ، ومع وجود هذه الأراضي الموات المحيطة بالمدينة لم يكن يُقدم إنسان على وقف أرض زراعية ـ مثلاً ـ لدفن الموتى ، لأنّ الأراضي الزراعية كانت قليلة ، بعكس الأراضي الموات فإنّها كانت كثيرة ومن المباحات الأوّلية.
والجدير بالذكر أنّ التاريخ أيضاً يؤكّد هذه الحقيقة. يقول السمهودي في كتاب «وفاء الوفا» :
«أوّل من دفن رسول الله بالبقيع : عثمان بن مظعون ... ولمّا توفّي إبراهيم بن رسول الله أمر أن يُدفن عند عثمان بن مظعون ، فرغب الناس في البقيع وقطعوا