هذه العبارات بمجموعها تؤكّد على أنّ أرض البقيع لم تكن وقفاً ، وأنّ أجساد الأئمّة الطاهرين عليهمالسلام إنّما دُفنت في بيوتهم المملوكة.
بعد كلّ ما سبق ، هل يصحّ هدم آثار آل رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وتسويتها مع الأرض بحجّة أنّها لا تنسجم مع الوقف؟!
ولو فرضت ـ جَدَلاً ـ أنّ أرض البقيع موقوفة ، فهل هناك ما يُثبت كيفية وقفها؟! ولعلّ مالك الأرض قد سمح بإقامة البناء والقباب على قبور الشخصيّات المرموقة الّتي تُدفن فيها؟!
نحن لا نعلم تفصيل الموضوع ، والشيء الّذي نعلمه هو أنّ المسلمين أقاموا البناء والقباب على تلك القبور ، ويجب حمل فعل المسلم على الصحّة والابتعاد عن اتّهامه ونسبة المعصية إليه.
وعلى هذا الأساس فإنّ هدم تلك القباب المقدّسة والأبنية المحترمة يُعتبر حراماً بيِّناً ومخالفةً قطعيّة للأحكام الشرعيّة.
وكان القاضي ابن بليهد وأتباعه يعلمون جيّداً أنّ فكرة وقفيّة البقيع ليست إلّا استدلالاً مصطنعاً ، وحتّى لو لم يرسم لهم الشيطان هذا الدليل الواهي ، لكانوا يهدمون آثار آل رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بلا تردّد ، ذلك لأنّ هذا المرَّة ليست هي المرّة الأُولى الّتي تقوم فيها الوهّابيّة بهدم آثار الرسالة والإسلام ، بل إنّ المرة الأُولى كانت في سنة ١٢٢١ ه عند ما سيطروا ـ لأوّل مرّة ـ على المدينة المنوَّرة وهدموا تلك الأبنية والآثار ، ثمّ أُعيد بناؤها بعد دحر الوهّابيّين وطردهم من المدينة على يد القوات العثمانية.