القبر كان سُنّة متَّبعة عند الأُمم والشرائع السابقة ، والقرآن الكريم يشير إلى تلك السنّة من دون أيّ ردّ أو نقد.
وقد سبقت الإشارة إلى أنّ أصحاب الكهف عند ما انكشف خبرهم ـ بعد ثلاثمائة وتسع سنين ـ اختلف الناس في نوعيّة احترامهم وتكريمهم وانقسموا إلى قسمين :
١. قسم قالوا : (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً).
وذلك لكي يكون تخليداً لذكراهم.
٢. والقسم الثاني ـ الّذي كسب الموقف في النهاية ـ دعا إلى بناء المسجد على الكهف كي يكون مركزاً لعبادة الله تعالى ، بجوار قبور أُولئك الذين رفضوا عبادة غير الله وخرجوا من ديارهم هاربين من الكفر ، ولاجئين إلى توحيد الله وطاعته.
وقد أجمع المفسّرون على أنّ الاقتراح الأوّل كان من المشركين ، بينما الاقتراح الثاني كان من المؤمنين الموحّدين (١) ولهذا يقول القرآن الكريم :
(... قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً). (٢)
وجاء في التاريخ أنّ العثور على أصحاب الكهف وانكشاف أمرهم كان في عصر انتصار التوحيد على الشرك ، وكان قادة المشركين ـ الداعين إلى عبادة الأصنام ـ مندحرين مغلوبين ، فاقتراح بناء المسجد جاء من المؤمنين بالله الموحّدين له سبحانه. فإذا كان بناء المسجد على قبور الصالحين أو بجوارها علامة على الشرك ، فلما ذا صدر هذا الاقتراح من المؤمنين؟!
__________________
(١) راجع تفسير الكشاف : للزمخشري ، وغرائب القرآن : للنيشابوري وغيرهما.
(٢) الكهف : ٢١.