(وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ). (١)
فالآية تسعى لهدم شخصية المنافق ، وهزّ العصا في وجوه حزبه ونظائره ، والنهي عن هذين الأمرين بالنسبة للمنافق وبيان انّ هذين من خصائص المؤمنين لا للمنافقين.
والآن يجب أن ننظر في قوله تعالى : (وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) ما معناه؟
هل المعنى هو القيام وقت الدفن فقط حيث لا يجوز ذلك للمنافق ويستحبّ للمؤمن؟ أم المعنى أعمّ من وقت الدفن وغيره؟
الجواب : نظر بعض المفسّرين إلى الآية نظرة ضيّقة فقال بالقول الأوّل ، ولكنّ بعضاً آخرين ـ كالبيضاوي وغيره ـ نظروا إليها نظرة واسعة فقالوا : إنّ النهي في (لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) هو عن الدفن والزيارة. والتدقيق وإمعان النظر في الآية الكريمة يسوقنا إلى هذا المعنى الأعم ، وذلك لأنّ الآية تتشكّل من جملتين :
الأُولى : (لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً).
إنّ لفظة «أحَدٍ» بحكم ورودها في سياق النفي تفيد العموم والاستغراق لجميع الأفراد ، ولفظة «أبداً» تفيد الاستغراق الزمني ، فيكون معناها : لا تُصلّ على أحدٍ من المنافقين في أيّ وقت كان.
فمع الانتباه إلى هذين اللفظين نعرف ـ بوضوح ـ أنّ المراد من النهي عن الصلاة على الميّت المنافق ليس خصوص الصلاة على الميّت عند الدفن فقط ، لأنّها ليست قابلة للتكرار في أزمنة متعدّدة ، ولو أُريد ذلك لم تكن هناك حاجة إلى لفظة «أبداً» بل المراد من الصلاة في الآية مطلق الدعاء والترحّم سواء أكان عند
__________________
(١) التوبة : ٨٤.