يصلح من شأنه ، وأخذ في اصطناعه. وإنّما أراد بسؤاله اختباره ، فإنّ عيى في اللّسان ، وأعيى : تعب.
وروي عن عبد الله السّاوجيّ أنّ نظام الملك استأذن ملك شاه في الحجّ ، فأذن له ، وهو إذ ذاك ببغداد. فعبر الجسر ، وهو بتلك الآلات والأقمشة والخيام ، فأردت الدّخول عليه ، فإذا فقير تلوح عليه سيماء القوم ، فقال لي : يا شيخ ، أمانة ترفعها إلى الوزير. قلت : نعم. فأعطاني ورقة ، فدخلت بها ، ولم أفتحها ، فوضعتها بين يدي الصّاحب ، فنظر فيها وبكى بكاء كثيرا ، حتّى ندمت وقلت في نفسي : ليتني نظرت فيها.
فقال لي : أدخل عليّ صاحب الرّقعة. فخرجت فلم أجده ، وطلبته فلم أره ، فأخبرت الوزير ، فدفع إليّ الرّقعة ، فإذا فيها : رأيت النبيّ صلىاللهعليهوسلم في المنام فقال لي : اذهب إلى حسن ، وقل له : أين تذهب إلى مكّة؟ حجّك هنا. أما قلت لك أقم بين يدي هذا التّركيّ ، وأغث أصحاب الحوائج من أمّتي؟.
فبطّل النّظام الحجّ ، وكان يودّ أن يرى ذلك الفقير.
قال : فرأيته يتوضّأ ويغسل خريقات ، فقلت : إنّ الصّاحب يطلبك.
فقال : ما لي وله ، إنّما كان عندي أمانة أدّيتها.
قال ابن الصّلاح : كان السّاوجيّ هذا شيخ الشّيوخ ، نفق على النّظام حتّى أنفق عليه وعلى الفقراء باقتراحه في مدّة يسيرة قريبا من ثمانين ألف دينار (١).
رجعنا إلى تمام التّرجمة :
__________________
(١) المنتظم ١٦ / ٣٠٣ ، وقال ابن الجوزي :
«وكان للنظام من المكرمات ما لا يحصى ، كلّما سمع الأذان أمسك عمّا هو فيه ، وكان يراعي أوقات الصلوات ، ويصوم الإثنين والخميس ، ويكثر الصدقة ، وكان له الحلم والوقار ، وأحسن خلاله مراعاة العلماء ، وتربية العلم ، وبناء المدارس والمساجد والرباطات والوقوف عليها ، وأثره العجيب ببغداد هذه المدرسة وسقوفها الموقوف عليها ، وفي كتاب شرطها أنها وقف على أصحاب الشافعيّ أصلا وفرعا ، وكذلك الأملاك الموقوفة عليها شرط فيها أن يكون على أصحاب الشافعيّ أصلا وفرعا كذلك شرط في المدرّس الّذي يكون بها والواعظ الّذي يعظ بها ومتولّي الكتب ، وشرط أن يكون فيها مقريء القرآن ، ونحويّ يدرّس العربية ، وفرض لكلّ قسطا من الوقف. وكان يطلق ببغداد كل سنة من الصلات مائتي كرّ ، وثمانية عشر ألف دينار» (المنتظم ١٦ / ٣٠٤).