اختلف إليه كثيرا ولازمته ، وكان واسع الرّواية والمعرفة ، حافلهما ، بحر علم ، عالما بالتّفاسير ، ومعاني القرآن ، ومعاني الحديث ، أحفظ النّاس للسان العرب ، وأصدقهم فيما يحمله ، وأقومهم بالعربيّة والأشعار والأخبار والأيّام والأنساب (١). عنده يسقط حفظ الحفّاظ ودونه يكون علم العلماء. فاق الناس في وقته ، وكان حسنة من حسنات الزّمان ، وبقيّة الأشراف والأعيان (٢).
وقال أبو عليّ الغسّانيّ : سمعته يقول : مولدي في ثاني عشر ربيع الأوّل سنة أربعمائة. ومتّع بجوارحه على اعتلاء سنّه ، إلى أن توفّي ، وهو حسن البقيّة ، متوقّد الذّهن ، سريع الخاطر ، في تاسع ذي الحجّة يوم عرفة (٣) ، وصلّى عليه ابنه أبو الحسن سراج. رحمهالله (٤).
__________________
(١) في الصلة ٢ / ٣٦٤ «والأنساب والأيام».
(٢) الصلة ٢ / ٣٦٤ وفيه : «وبقية من الأشراف والأعيان».
(٣) وقع في (بغية الملتمس ٣٨٠) أن وفاته كانت في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.
(٤) وكان أبو علي قرأ عليه كثيرا من كتب اللغة ، والغريب ، والأدب ، وقيّد ذلك كلّه عنه ، وكانت الرحلة في وقته إليه ، ومدار أصحاب الآداب واللغات عليه. وكان وقور المجلس لا يجسر أحد على الكلام فيه لمهابته وعلوّ مكانته. (الصلة ٢ / ٣٦٣ ، ٣٦٤).
وقال ابن بسّام في (الذخيرة ق ١ مجلد ٢ / ٨١١) : «أحيا كثيرا من الدواوين الشهيرة الخطيرة التي أحالتها الرواة الذين لم تكمل لهم الأداة ، ولا استجمعت لديهم تلك المعارف والآلات ، واستدرك فيها أشياء من سقط واضعيها ، ووهم مؤلّفيها ككتاب «البارع» لأبي علي البغدادي ، و «شرح غريب الحديث» للخطابي ، وقاسم بن ثابت السرقسطي ، وكتاب «أبيات المعاني» للقتبي ، وكتاب «النبات» لأبي حنيفة ، وكتاب «الأمثال» للأصبهاني ، وغير ذلك من كتب الحديث وتفسير القرآن مما لم يحضرني ذكره ، ولم يمكن حصره ..».
وقال العماد في (الخريدة ٢ / ٥٠١) : «الوزير الفقيه أبو مروان بن سراج. ذكر أنه درس علوما درست معالمها ، ودعا للرفع آدابا تداعت دعائمها ، فتح أقفال المبهمات ، وبيّن أغفال المشكلات ، وشرح وأوضح ، وفضح مناضليه. وفصح ، ولما طوي بساط عمره طويت المعارف ، وتنقّص فضلها الوافر ، وتقلّص ظلّها الوارف ، ووصفه بالضجر عند السؤال ، فما كاد يجيب ، والمستفيد منه يكاد لتغيظه بخيب».
وقال ابن خاقان في (القلائد ١٩٠) : «أودى فطويت المعارف ، وتقلّص ظلّها الوارف ، إلّا أنه كان يضجر عند السؤال فما يكاد يفيد ، ويتفجّر غيظا على الطالب حتى يتبلّد ولا يستفيد».
وجعله الحجاريّ أصمعيّ الأندلس. وأخبر أن صاحب «سفط اللآلي» أثنى عليه وعلى بيته. وذكر أن عبد الملك بن أبي الوليد بن جهور عتبة في كونه جاء لزيارته ، وأبو مروان لا يزوره ، فقال : أعزّك الله ، أنت إذا زرتني قال الناس : أمير زار عالما تعظيما للعلم ، واقتباسا منه ، وأنا إذا زرتك قيل : عالم زار أميرا للطمع في دنياه والرغبة في رفده ، ولا يصون علمه. فتعجّبوا من جوابه. (المغرب في حلي المغرب ١١٥ ، ١١٦).