وسمعت أحمد بن أميرجة القلانسيّ خادم الأنصاريّ يقول : حضرت مع شيخ الإسلام على الوزير أبي عليّ ، يعني نظام الملك ، وكان أصحابه كلّفوه الخروج إليه ، وذلك بعد المحنة ورجوعه من بلخ.
قلت : وكان قد غرّب عن هراة إلى بلخ.
قال : فلمّا دخل عليه أكرمه وبجّله. وكان في العسكر أئمّة الفريقين. في ذلك اليوم ، قد علموا أنّ الشّيخ يأتي ، فاتّفقوا على أن يسألوه عن مسألة بين يدي الوزير ، فإن أجاب بما يجيب بهراة سقط من عين الوزير ، وإن لم يجب سقط من عيون أصحابه. فلمّا استقر به المجلس قال العلويّ الدّبّوسيّ : يأذن الشّيخ الإمام في أن أسأل مسألة؟
قال : سل.
فقال : لم تلعن أبا الحسن الأشعريّ؟
فسكت ، وأطرق الوزير. فلمّا كان بعد ساعة ، قال له الوزير : أجبه.
فقال : لا أعرف الأشعريّ ، وإنّما ألعن من لم يعتقد أنّ الله في السّماء ، وأنّ القرآن في المصحف ، وأنّ النبي صلىاللهعليهوسلم نبيّ غير خطّاء.
ثمّ قام وانصرف ، فلم يمكن أحد أن يتكلّم بكلمة من هيبته وصلابته وصولته. فقال الوزير للسائل أو من معه : هذا أردتم ، كنّا نسمع أنّه يذكر هذا بهراة ، فاجتهدتم حتى سمعناه بآذاننا. وما عسى أن أفعل به؟ ثمّ بعث خلفه خلعا وصلة ، فلم يقبلها ، وخرج من فوره إلى هراة ولم يتلبّث (١).
قال : وسمعت أصحابنا بهراة يقولون : لمّا قدم السّلطان ألب أرسلان هراة في بعض قدماته اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه ، ودخلوا على أبي إسماعيل الأنصاريّ ، وسلّموا عليه وقالوا : قد ورد السّلطان ، ونحن على عزم أن نخرج ونسلّم عليه ، فأحببنا أن نبدأ بالسّلام على الشّيخ الإمام ، ثمّ نخرج إلى هناك.
وكانوا قد تواطئوا (٢) على أن حملوا معهم صنما من نحاس صغيرا ،
__________________
(١) الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٥٤ ، ٥٥.
(٢) في الأصل : «تواطؤا». (بواو واحدة).