محمود بن سبكتكين لمّا دخل الرّيّ ، وقتل بها الباطنيّة ، منع سائر الفرق من الكلام على المنابر ، غير أبي حاتم ، وكان من دخل الرّيّ من سائر الفرق ، يعرض اعتقاده عليه ، فإن رضيه أذن له في الكلام على النّاس وإلّا منعه ـ فلمّا قربت من الرّيّ كان معي في الطّريق رجل من أهلها ، فسألني عن مذهبي.
فقلت : أنا حنبليّ. فقال : مذهب ما سمعت به وهذه بدعة. وأخذ بثوبي وقال : لا أفارقك حتّى أذهب بك إلى الشّيخ أبي حاتم. فقلت : خيرة.
فذهب بي إلى داره ، وكان له ذلك اليوم مجلس عظيم ، فقال : هذا سألته عن مذهبه ، فذكر مذهبا لم أسمع به قطّ.
قال : ما قال؟
قال : أنا حنبليّ.
فقال : دعه ، فكلّ من لم يكن حنبليّا فليس بمسلم.
فقلت : الرجل كما وصف لي. ولزمته أيّاما وانصرفت (١).
قال ابن طاهر : حكى لي أصحابنا أنّ السّلطان ألب أرسلان قدم هراة ومعه وزيره نظام الملك ، فاجتمع إليه أئمّة الفريقين من الشّافعية والحنفيّة للشّكاية من الأنصاريّ ، ومطالبته بالمناظرة. فاستدعاه الوزير ، فلمّا حضر قال : إنّ هؤلاء قد اجتمعوا لمناظرتك ، فإن يكن الحقّ معك رجعوا إلى مذهبك ، وإن يكن الحقّ معهم إمّا أن ترجع وإمّا أن تسكت عنهم.
فقام الأنصاريّ وقال : أناظر على ما في كمّيّ!؟
فقال : وما في كمّيك؟
قال : كتاب الله ، وأشار إلى كمّه الأيمن ، وسنّة رسوله ، وأشار إلى كمّه اليسار ، وكان فيه «الصّحيحان».
فنظر الوزير إليهم كالمستفهم لهم ، فلم يكن فيهم من يمكنه أن يناظره من هذا الطّريق (٢).
__________________
(١) روى هذا الخبر : «محمد بن طاهر الحافظ» في كتابه «المنثور من الحكايات والسؤالات» ، كما في (ذيل طبقات الحنابلة ١ / ٥١ ، ٥٢).
(٢) الذيل على طبقات الحنابلة ١ / ٥٤.