وحيثُ إنّ مقصودَنا ـ هنا ـ هو إثبات جواز طلب الشفاعة ، ومشروعيّتهِ ، لذلك لا يَضرُّ موتُ الشفيعِ في هذه الآيات بالمقصود ، حتى لو فُرض أنّ هذه الآيات وَرَدَت في شأنِ الأحياء من الشّفَعاءِ لا الأموات ، لأن طَلَبَ الشفاعة مِنَ الأحياء إذا لم يكن شركاً فإنّ من الطبيعي أن لا يكونَ طلبُها من الأموات كذلك شركاً لأنّ حياة الشفيع وموته ليس ملاكاً للتوحيد والشرك أبداً ، والأمرُ الوحيدُ الذي هو ضروري ومطلوبٌ عندَ الاستشفاعِ بالأرواح المقدَّسة هو قدرتُها على سماع نداءاتنا ، وهو أمرٌ قد أثبتْناه في مبحث التوسُّل حيث أثبتنا ـ هناك ـ (١) وجود مثل هذا الارتباط.
وهنا لا بدّ أن نلتفتَ إلى نقطةٍ هامّة وهي أن استشفاعَ المؤمنين والموَحّدين من الأنبياء والأولياء الإلهيّين يختلفُ اختلافاً جَوهرياً عن استشفاع الوثنيّين من أصنامهم وأوثانهم.
فالفريقُ الأوّل يطلبُ الشَّفاعةَ من أولياءِ الله ، وهو مذعِنٌ بحقيقتين أساسيّتين :
١. إنَّ مقامَ الشفاعة مقامٌ خاصٌّ بالله ، وحقٌّ محضٌ له سبحانه كما قال :
(قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) (٢).
أي قل : إنّ أمر الشفاعة كلَّه بِيَدِ اللهِ ولا يحقّ لأحدٍ أن يشفَعَ مِن دون إذنِهِ ولن تكونَ شفاعةٌ مؤثرةً بغيره.
__________________
(١). لاحظ الأصل ١٢٦ و ١٢٧ وص ٢٧٩ ـ ٢٨٦.
(٢). الزمر / ٤٤.