ولم أجد شيئاً يمكن أن يتعلّق به الخصم غير هذين الأثرين (١) ، ومثلهما لا يعارض الأحاديث الصريحة الصحيحة ، والسنن المستفيضة المعلومة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
بل لو صحّ عن الشعبيّ والنخعيّ التصريح بالكراهة ، لكان ذلك من الأقوال الشاذّة التي لا يجوز اتّباعها والتعويل عليها ؛ فإنّا نقطع ونتحقّق من الشريعة بجواز زيارة القبور للرجال ، وقبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم داخل في هذا العموم.
ولكن مقصودنا إثبات الاستحباب له بخصوصه ؛ للأدلّة الخاصّة ، بخلاف غيره ممّن لا يستحبّ زيارة قبره لخصوصه ، بل لعموم زيارة القبور ، وبين المعنيين فرق كما لا يخفى.
فزيارته صلىاللهعليهوآلهوسلم مطلوبة بالعموم والخصوص.
بل أقول : إنّه لو ثبت خلاف في زيارة قبر غير النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يلزم من ذلك إثبات خلاف في زيارته ؛ لأنّ زيارة القبر تعظيم ، وتعظيم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم واجب.
وأمّا غيره فليس كذلك.
__________________
(١) لاحظ استدلال ابن تيمية على منع الزيارة بأسخف من هذين ، وهو أنّ مالكاً كره أن يُقال «زرت قبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم» مجموع فتاوى (٢٧ / ٢٦) والصارم (ص ٣٢٨).
وأمثال ذلك من الحكايات التي (ينطبق عليها قوله في موضع آخر :) قد تكون صدقاً ، وقد تكون كذباً ، وبتقدير أن تكون صدقاً فإنّ قائلها غير معصوم ومَنْ يعارض النقل الثابت عن المعصوم (في مشروعية الزيارة) بنقلٍ (من هذه الحكايات) غير ثابت حتى عن غير المعصوم؟ إلّا مَنْ يكون من الضالّين (المنحرفين عن تقديس الرسول وصحابته كالسلفية والوهابية) إخوان الشياطين.
وهذا من أسباب الشرك وتغيير الدين! بحكم ابن تيمية في مجموع فتاواه (٢٧ / ١٧١).