وفي «السير الكبير» (١) لمحمّد بن الحسن تصنيف شمس الأئمّة السرخسيّ الحنفيّ : أنّها جاءت من المدينة حاجّة أو معتمرة ، فزارت قبره.
وقال في قولها : «لو شهدتك ما زرتك» إنّما قالت ذلك لإظهار التأسّف عليه حين مات في الغربة ، ولإظهار عذرها في زيارته ، فإنّ ظاهر قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لعن الله زوّارات القبور» يمنع النساء من زيارة القبور.
قال : والحديث وإن كان متأوّلاً ، فلحشمة ظاهرة قالت ما قالت ، انتهى.
ومقصودنا : أنّ زيارة ما عدا قبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ممّا يثاب الشخص على فعله ، وقد يتأكّد بحسب بعض الأحوال ، فزيارة القريب آكد من غيره ، وتطلب لمعنى فيه مختصّ به ؛ وهو القرابة ، وزيارة غير القريب أيضاً مستحبّة ؛ للاعتبار والترحّم والدعاء ، وذلك عامّ في كلّ المسلمين ، وسيأتي من نصوص المالكيّة في زيارة قبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم جملة اخرى في الباب السابع (٢).
وإذا زار قبراً معيّناً ، يكون مؤدّياً للسنّة بما تضمّنه من زيارة جنس القبور ، ولا نقول : إنّ زيارة ذلك القبر المعيّن بخصوصه سنّة ، حتّى يرد فيها فضل خاصّ ، أو نعرف صلاحه ، فإنّ زيارة جميع الصالحين قربة ، كما يقولون : إنّ الصلاة في المسجد مطلوبة ، ولا نقول : الصلاة في مسجد بعينه مطلوبة ، إلّا في الثلاثة التي شهد الشرع بها ، ويقوم ما هو الأفضل منها ، كالمسجد الحرام عن غيره.
وإذا ظهر لك تنظير زيارة القبور بإتيان المساجد ، فمتى كان المقصود بالزيارة تذكّر الموت ، لا يشرع فيها قصد قبر بعينه ، وإن صحّ عن أحد من العلماء أنّه يمنع من شدّ الرحال إلى زيارة القبور ـ كما نقل عن ابن عقيل ، وكما وقع في «شرح مسلم» ـ فليحمل على هذا القسم.
__________________
(١) السير الكبير (١ / ٢٣٦) رقم ٣٠٣ باب الشهيد ما يصنع به؟
(٢) سيأتي في ص ٢٣١.