واستدلّوا لهذا القول بما روى أبو داود في «سننه» (١) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أنّ رجلاً قام يوم الفتح فقال : يا رسول الله ، إنّي نذرت لله إن فتح الله عليك مكّة أن اصلّي في البيت المقدس ركعتين.
قال : «صلّ هاهنا». ثمّ أعاد. قال : «صلّ هاهنا». ثمّ أعاد عليه. فقال : «صلّ هاهنا». ثمّ أعاد عليه. فقال : «شأنك إذن».
وعن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، عن رجال من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بهذا الخبر ، زاد ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «والذي بعث محمّداً بالحقّ ، لو صلّيت هاهنا لأجزأ عنك صلاة في البيت المقدس».
واعلم : أنّ الصلاة في مكّة تجزئ عن الصلاة في بيت المقدس ـ كما قدمناه ـ بلا خلاف.
وإن قلنا بتعيّنه ، فقد يقال : إنّ الحديث محمول على ذلك ، وإنّه لا دلالة له فيه على المدّعى من عدم لزوم الإتيان.
ووجه الدلالة : أنّ الصلاة في مكّة تقوم مقام الصلاة في بيت المقدس ؛ لأنّهما جنس واحد ، والصلاة بمكّة أفضل ، فالتضعيف الذي ألزمه في بيت المقدس يحصل له في مكّة وزيادة ، وأمّا المشي فأمر زائد على الصلاة ، وهو عبادة اخرى ، فلو لزم لما قامت الصلاة بمكّة مقامه ، فمن لزمه الصلاة ببيت المقدس من غير مشي ـ بأن كان وقت النذر ببيت المقدس ـ فلا شكّ أنّ الصلاة بمكّة تجزيه.
ومن نذر المشي إلى بيت المقدس والصلاة فيه ، فهما عبادتان ، فإن قلنا بعدم لزوم إتيانه لم يبقَ عليه إلّا الصلاة ، فتجزيه الصلاة بمكّة ، وإن قلنا يجب إتيانه فيظهر أنّ الصلاة لا تقوم مقامه ، ولو مشى إلى مكّة ـ من مسافة ـ مثل المسافة التي بينه
__________________
(١) سنن أبي داود (٢ / ١٠٢) باب (٢٤) من نذر أن يصلّي في بيت المقدس ، ح (٣٣٠٥).