قصد بذلك؟
وأمّا ما ذكره المصنّفون في المناسك ، فإنّهم لم يريدوا به أنّه شرط في كون السفر للزيارة قربة! ما قال هذا أحد منهم ، ولا توهّمه ، ولا اقتضاه كلامه ، وإنّما أرادوا أنّه ينبغي أن يقصد قربة اخرى ليكون سفراً إلى قربتين ، فيكثر الأجر بزيادة القُرب ، حتّى لو زاد من قصد القربات زادت الاجور ، كأن يقصد مع ذلك زيارة شهداء احد ، وغير ذلك من القرب التي هناك.
وأرادوا بالتنبيه على ذلك : أنّه قد يتوهّم أنّ قصد قربة اخرى ، قادح في الإخلاص في نيّة الزيارة ، فنبّهوا بذلك على هذا المعنى.
ولهذا قال أبو عمرو ابن الصلاح : ولا يلزم من هذا خلل في زيارته على ما لا يخفى.
فمن تخيّل أنّ مرادهم : أنّ شرط كون سفر الزيارة قربة ضمّ قصد قربة اخرى إليه ، فقد أخطأ خطأ لا يخفى على أحد ممّن له فهم.
وقوله : «إنّ الخصم إنّما أراد أن يبيّن كيفيّة الزيارة المستحبّة ، وهو أن يضمّ إليها قصد المسجد ، كما قاله غيره».
إنّ غيره لم يقل ذلك ، ولا دلّ عليه كلامه ، ولا أراده.
الخامس : أنّ وسيلة القربة قربة :
فإنّ قواعد الشرع كلّها تشهد بأنّ الوسائل معتبرة بالمقاصد.
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا ، وترفع به الدرجات؟».
قالوا : بلى يا رسول الله.
قال : «إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطى إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط» رواه مسلم (١).
__________________
(١) صحيح مسلم (١ / ١٥١) كتاب الطهارة باب فضل إسباغ الوضوء.