فإن قلت : إنّ الذي كان يفعله السلف من النوع الأوّل ؛ وهو السلام والدعاء له ، دون النوع الثاني والثالث.
قلنا : أمّا الثالث فلا استرواح إليه ؛ لأنّا نبعد كلّ مسلم منه.
وأمّا النوع الأوّل والثاني ، فدعوى كون السلف كلّهم كانوا مطبقين على النوع الأوّل ؛ وأنّه شرعيّ ، وكون الخلف كلّهم مطبقين على الثاني ؛ وأنّه بدعة ، من التخرّص الذي لا يقدر على إثباته ، فإنّ المقاصد الباطنة لا يطّلع عليها إلّا الله تعالى.
فمن أين له أنّ جميع السلف لم يكن أحد منهم يقصد التبرّك ، أو أنّ جميع السلف لا يقصدون إلّا ذلك؟!
ثمّ إنّه قال فيما سنحكيه من كلامه : «إنّ أحداً لا يسافر إليها إلّا لذلك» ؛ يعني لاعتقاده أنّها قربة ، وأنّه متى كان كذلك كان حراماً.
ولا شكّ أنّ بلالاً وغيره من السلف ـ وإن سلّمنا أنّهم ما قصدوا إلّا السلام ـ فإنّهم يعتقدون أنّ ذلك قربة.
فلو شعر ابن تيمية رحمهالله أنّ بلالاً وغيره من السلف فعل ذلك ، لم ينطق بما قال ، ولكنّه قام عنده خيال : أنّ هذه الزيارة فيها نوع من الشرك ، ولم يستحضر أنّ أحداً فعلها من السلف ، فقال ما قال وغلط رحمهالله فيما حصل له من الخيال ، وفي عدم الاستحضار.
ودعواه : «أنّه لو نذر ذلك ، لم يجب عليه الوفاء به بلا نزاع من الأئمّة».
نحن نطالبه بنقل هذا عن الأئمّة.
وتحقيق أنّه لا نزاع بينهم فيه.
ثمّ بتقرير كون ذلك عامّاً في قبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وغيره.
ليحصل مقصوده في هذه المسألة التي تصدّينا لها.